د. عبدالحق عزوزي
أعلنت شركة فيس بوك مؤخرًا أنها ستحرم «هواوي» الصينية من تطبيق الشركة الأم وكذلك تطبيقاتها الرائجة في مجال التواصل الاجتماعي (إنستغرام وواتساب) وهذا يعني أنّ أيّ هاتف ذكيّ يخرج من الآن فصاعداً من مصانع العملاق الآسيوي لن يكون مثبّتاً فيه مسبقاً أيّ من تطبيقات شبكة التواصل الاجتماعي الأولى في العالم... وهذا سيزيد حسب بعض المتتبعين من عزلة المجموعة الصينية العملاقة للتكنولوجيا التي تعتبر واشنطن أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي.
وأفادت الشركة العملاقة للتواصل الاجتماعي أنها اتّخذت الخطوة بعدما أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى هواوي الرائدة في مجال شبكات إنترنت الجيل الخامس (5جي) لأن ذلك سيسمح للصين بالتجسس على شبكات الإنترنت فائقة السرعة على خلفية القلق من أنها تتعاون مع الاستخبارات الصينية.
وللخروج من هاته العزلة، يجب على هواوي أن تؤسس لنظام تشغيلي خاص بها للحلول محل منظومة «أندرويد» التابعة لغوغل. لكن سيكون عليها كذلك تطوير سوق افتراضي خاص بها لبيع التطبيقات إذا كانت ترغب بالمحافظة على مستخدميها خارج الصين. ولتتمكن من مواكبة سوق الهواتف الذكية، ستحتاج هواوي كذلك للعثور على مصدر جديد للشرائح الإلكترونية والمعدات المرتبطة بها بدون موردين أمريكيين على غرار «إنتل» و»كوالكوم» وبرودكوم».
ويرجّح كذلك أن تحرم هواوي من الحصول على معدات شركة «أيه آر إم القابضة» البريطانية لتصميم أشباه الموصلات التي تستخدم التكنولوجيا التابعة لها في معظم شرائح الهواتف المحمولة الإلكترونية.
ولكن السؤال المطروح هنا، هل تشكل الشركة حقًا «خطراً كبيراً» من الناحية الأمنية على أمريكا؟ لا أظن ذلك لأن الرئيس ترامب أشار مؤخرًا إلى احتمال إسقاط العقوبات كجزء من اتفاق تجاري. ويقيني أن الخلاف بشأن هواوي يأتي على وقع حرب تجارية أوسع بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم والعقوبات المفروضة من قبل ترامب، الذي يتهم الصين بالقيام بممارسات غير منصفة ودعم شركاتها المحلية ماليًا.
والمشاكل تتعمق أكثر بين أمريكا والصين بسبب التقارب الصيني-الروسي؛ وقد رأينا في الأيام الأخيرة أن روسيا لم تستدع لحضور الاحتفالات المخلدة للذكرى الخامسة والسبعين لأكبر إنزال بحري في التاريخ في منطقة النورماندي الفرنسية لتحرير أوروبا من ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.
وفيما اجتمعت الدول الغربية في بريطانيا، احتفت روسيا بالرئيس الصيني شي جينبينغ لدى مشاركته في أكبر منتدى روسي للأعمال يعتزم البلدان اغتنامه لاستعراض علاقاتهما الاقتصادية في مواجهة الولايات المتحدة. ويرى كريس ويفر مؤسس شركة الاستشارات «ماكرو أدفايزوري» أن «المنتدى في 2019 يظهر بوضوح إلى أي مدى بات العالم ثنائي القطبية. ففي الأسبوع ذاته، يتناول الرئيس الأمريكي الشاي مع الملكة (إليزابيث الثانية) في لندن، فيما يستقبل الرئيس الروسي الرئيس شي في سان بطرسبورغ.
وقد باتت الصين خلال العامين الأخيرين أكبر شركاء روسيا التجاريين، محتلة بذلك مكان الاتحاد الأوروبي. إذ استحوذت خلال العام الماضي على 15 في المائة من تجارة روسيا الخارجية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2017 بنسبة 31.5 في المائة مقارنة بعام 2016. وبلغ 87.4 مليار دولار، منها 39 مليار دولار هي صادرات روسيا إلى الصين، مقابل واردات بقيمة 48.4 مليار دولار.
ويتوقع البلدان أن يتجاوز حجم التبادل التجاري عتبة الـ100 مليار، وفقاً لخطة طموحة تسعى إلى دفع التبادل بنسبة 150 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. في حين أعرب بوتين عن ارتياحه لأن حجم التجارة الثنائية بين الدولتين يرتفع بنسبة 30 في المائة سنوياً. ويرى المتتبعون الاستراتيجيون أيضًا أن هناك جهودًا روسية-صينية لتقزيم حجم الدولار الأمريكي بل وطرده من المعاملات التجارية... ففي السنة الماضية قال بوتين لشي، الزعيم الصيني وهو يهديه آنية مصنوعة يدوياً وتحتوي على العسل الطبيعي، إن عليه أن يدفع ثمنها فأجابه الزعيم الصيني إنه لا يحمل معه في تلك اللحظة روبلات روسية ليدفع ثمن الآنية، فأجابه الرئيس الروسي سيكون عليك إذن الدفع بالعملة الصينية.
لقد حمل مزاح الرئيسين إشارة مباشرة إلى النقاشات الجدية الجارية بين البلدين للتحول تدريجياً نحو التعامل بالعملات الوطنية. ويرى خبراء أن الهدف الأساسي هو الحد من تأثير التعامل بالدولار الأمريكي على التبادل الاقتصادي للبلدين، وهذا ما ينذر بالمزيد من الحروب التجارية التي لم تعرفها البشرية في النظام العالمي الجديد.