هالة الناصر
في عام 1995 بلغ حجم الإنتاج العلمي العربي قرابة 26 بحثاً لكل مليون فرد، وهو الرقم الذي ارتفع بشكل ملحوظ في الوقت الحالي نتيجة التوسع في التعليم الجامعي وزيادة أعداد الدارسين العرب في درجات الماجستير والدكتوراه، إلا أن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا لا تنحصر في حجم الإنتاج بقدر ما تمتد إلى منع إتاحة هذا الإنتاج العلمي العربي للاطلاع وكأنه من الأسرار الحربية.
فقد وضعت العديد من الجامعات العربية قواعد صارمة تحكم عملية الاطلاع على الأبحاث العلمية المنتجة داخل أروقتها، وتضع الكثير من العراقيل أمام نشر تلك الأبحاث والتعريف بها، وحجتهم في ذلك هو «الأمانة العلمية» بزعم أن إتاحة هذه الرسائل وإتاحتها لكل من أراد الاطلاع عليها دون سبب مقنع لإدارة الجامعة، قد يسهل عملية سرقة محتوى هذه الأبحاث والدراسات وإضاعة مجهود الباحثين الأصليين، ولكن هذا كلام عفى عليه الزمن، فالعديد من الجامعات في أوروبا وأمريكا تتيح لكل الدارسين الاطلاع على محتواها العلمي، بل وتوفر العديد من إنتاجها بلغات عدة وتنشره عبر الإنترنت لتمكين الدارسين في مختلف بلدان العالم من الاطلاع والاستفادة منه والإضافة إلى هذا المنجز العلمي لخدمة الحضارة والدولة الحديثة، مع الاعتراف بأن تلك الإتاحة الكبيرة سبقتها خطوة أهم، وهي وضع آليات ووسائل تقنية وعلمية تستطيع كشف السرقات العلمية ونتائج الأبحاث.
وبالرغم من أن جامعاتنا العربية لجأت بالفعل إلى هذه التقنيات والآليات لحماية المحتوى، إلا أنها لم تتخذ الخطوة التالية بعد، وهي السماح بعرض هذه البحوث العلمية هذا المنجز العلمي وتمكين الجمهور والدارسين والمهتمين من الاطلاع عليه والاستفادة منه بحرية ودون أن تشعرهم بأنهم لصوص بالضرورة جاؤوا لسرقة مجهود ومنجز الجامعة!.. وهي خطوة لا يوجد أيّ مبرر حتى الآن لتأخرها، إن دور البحث العلمي لا يتوقف فقط عند الإنتاج ولكن يتعداه لضرورة النشر والتعريف بالمنجز العلمي، فما فائدة أن أنتج بحثاً علمياً يمكن أن يغير من حياة الناس إلى الأحسن إذا كانت النهاية الحتمية لهذا البحث هي رف داخل خزينة مقفلة داخل أحد حجرات الجامعة التي لا يسمح لأحد بدخولها إلا بعد إجراءات طويلة ولفترة محدودة وبطريقة أشبه بلقاء سجين محكوم عليه بالمؤبد.