د. عيد بن مسعود الجهني
أسعار النفط بدأت وتيرة صعودها اعتباراً من عام 2004 كنتيجة حتمية لاحتلال العراق عام 2003، وقد استمر صعود الأسعار حتى عام 2008 لتبلغ الثريا عندما كسر سعر النفط حاجز الـ147 دولاراً للبرميل في شهر يوليو من ذلك العام، لكنها عادت للتدني السريع نتيجة أزمة الكساد العالمي عام 2008، لتبلغ في شهر سبتمبر من ذلك العام (33) دولاراً للبرميل ليبلغ الفارق حوالي (114) دولاراً بين أعلى سعر وأدنى قيمة لها في ذلك العام.
وارتفاع أسعار النفط مرتبط بأساسيات السوق من عرض وطلب في سوق النفط الدولي من أهم الأسباب التزام المنتجين أعضاء الأوبك والدول المتعاونة معها بالخفوضات في سقف الإنتاج الذي اتفقوا عليه بنسبة كبيرة، وهذا ما رفع السعر ليكسر حاجز 65 دولاراً عندما التزم الجميع بالتخفيضات التي اتفق الأعضاء عليها واستمر السعر في الصعود ليكسر حاجز الـ70 دولاراً ثم كسر السعر حاجز الـ75 دولاراً قبل أن يعود للتدني مرة أخرى.
وإذا كانت الأسعار التي تشهد حالة من عدم اليقين في السوق الدولية للنفط في ظل العقوبات المشددة التي تفرضها الإدارة الأمريكية على النفط الإيراني بسبب ملف إيران النووي وتدخلها في دول عربية من خلال أذرعها في كل من العراق وبلاد الشام ولبنان واليمن، ناهيك عن العقوبات الأمريكية على فنزويلا التي تصدر للولايات المتحدة (500) ألف ب/ي وثالثة الأثافي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
هذه العوامل توافرت كأسباب رئيسية لارتفاع أسعار النفط لتبلغ الثريا، خاصة في ظل تخفيض الأوبك وحلفائها لإنتاجها بـ(1.2) مليون ب/ي اعتباراً من بزوغ شمس هذا العام.
هذه العوامل التي تغذيها التوترات في الشرق الأوسط خاصة منطقة الخليج العربي مستودع البترول العالمي، وبطل هذه التوترات إيران التي تغذي أذرعها الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق لتنفذ اعتداءات ضد ناقلات النفط في المياه الإماراتية في ميناء الفجيرة وخطوط نفط في المنطقة الوسطى في السعودية.
كل هذه أسباب تؤدي إلى ارتفاع أسعار سعلة النفط، وفي مقدمتها العنصر الجيوسياسي الذي أصبح متوافراً من خلال فرض البيت الأبيض العقوبات على إيران وفنزويلا، لذا يعتبر أن الصعود (الخجول) في الأسعار مؤخراً إستراتيجي أكثر منه اقتصادي، فالسوق تشهد توازناً في العرض والطلب إلى حد كبير، بل إن هناك فائضاً من النفط يبحث عن المشترين، رغم فقدانها لإمدادات ضخمة من كل من إيران وفنزويلا.
ورغم أن الأسعار ما زالت حتى كتابة هذه السطور تفوز بدعم من مشهد التوترات الحادة في الأوضاع الجيوسياسية في منطقة النفط التي تسيطر على (800) مليار برميل احتياطي مؤكد، و20 في المائة من صادرات النفط، إلا أن الأسعار ما زالت تتراوح بين 65-68 دولاراً، ولم تشهد السوق نقصاً في الإمدادات، بل إن الأوبك والمتعاونين معها (24) دولة خاصة السعودية وروسيا، جاهزون لتعويض أي نقص في الطلب.
مما يؤكد ذلك أن لجنة المراقبة الوزارية المشتركة الـ(14) التي عقدت اجتماعها في مدينة جدة في التاسع عشر من الشهر الماضي في مدينة جدة كان في مقدمة أهدافها العمل على استقرار سوق البترول الدولية، ولذا فإن اللجنة عملت على دراسة وتقييم وضع السوق الراهنة ومتابعة التزام الأوبك وحلفائها بخفض الإنتاج في ظل المتغيرات الجديدة التي تشهدها السوق ورفع توصياتها إلى الاجتماع الوزاري الموسع في مقر المنظمة في العاصمة النمساوية فيينا في الخامس والعشرين من شهر يونيو الحالي.
وإذا كان اجتماع جدة قد أرسل رسالة واضحة إلى السوق بددت المخاوف من نقص في الإمدادات وارتفاع للأسعار غير محسوب، وهذا التأكيد الذي أعلنه المجتمعون يعتبر إعلان نوايا صادقة من المنتجين الأعضاء، ويبرز تعاونهم من أجل التغلب على أي عثرات قد تعترض السوق، وهذا هو مربط الفرس الذي جعل الأسعار تعود للتدني مابين 65- 68 دولاراً لبرميل النفط.
ولا شك أن الدول الـ(24) صاحب النادي النفطي الكبير خاصة السعودية وروسيا والكويت والإمارات قادرة على أن تتبنى قرارات نفطية من شأنها خلق سوق متوازنة إلى حد كبير في غياب الصادرات الإيرانية والفنزويلية وتأثر الصادرات الليبية من النفط، وهذا لأن هذا الحلف النفطي قادر على خلق قرارات جماعية قادرة على صناعة سوق نفطية مستقرة.
ورغم ما قيل وملأ الغمام حول بعض الآراء والتنبؤات القائلة بأن الأسعار في ظل هذه التوترات والنزاعات والحروب في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، سيخرج من رحمها أسعار قد تكسر حاجز الـ(90) دولاراً، بل وربما أكثر بكثير، فإننا نعتقد أن الأسعار في ظل تعاون هذا الحلف (القوي) ورغم حالة عدم اليقين والضبابية التي تحيط بالسوق فإن سعراً ما بين 65- 75 دولاراً للبرميل يصبح أمراً عادلاً، وفي هذا مصلحة مشتركة للمنتجين والمستهلكين، وخلق سوق نفطية متوازنة، خاصة في ظل زمن الزيادات المستمرة في إمدادات النفط الصخري الأمريكي الذي جعل من بلاد العم سام دولة نفطية مصدرة بعد عقود عديدة من استيراد النفط والاستهلاك المسرف له، وهي اليوم تنتج (12.2) مليون ب/ي.
وحتى إذا اتجهت الأوبك وحلفاؤها إلى إبقاء تخفيض الإنتاج على حاله أو التقليل منه بزيادة الإنتاج في ظل تزايد مخزونات النفط العالمية خاصة في الولايات المتحدة، التي تبنى في فترات تدني الأسعار.
فإن تماسك هذا النادي الواسع واستمرار الحوار البناء بين أعضائها سيبقي على سوق نفطية مستقرة في حالات عدم اليقين والضبابية التي تغلف سماء السوق كما هي عليه الحال اليوم.
وأي خلل في جسد هذا الحلف سيجعل السفينة تبحر إلى عالم مجهول.
وهذا ما لا يريده أعضاء هذا النادي النفطي الذي أكد جدارته وقوته على إدارة دفة سوق النفط الدولية خلال السنوات الماضية.