أ.د.عثمان بن صالح العامر
انتقل إلى رحمة الله يوم الأحد الماضي الزميل والصديق والأخ العزيز الدكتور عبد الله بن أحمد الثقفي مدير عام التعليم في منطقة مكة المكرمة، ومدير عام تعليم جدة، الذي هو -إن لم تخني الذاكرة- آخر القلة القليلة المتبقية من رجالات التربية والتعليم الذين كان يصطفيه معالي الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد -رحمه الله- اصطفاء من بين العاملين في الميدان التربوي، فهم العارفين لواقعه، المدركين حجم تحدياته، المستبصرين سبل نجاته.
لقد عرفته أول ما عرفته -رحمه الله- في رحلة وفد وزارة التربية والتعليم لفنلندا عام 1427هـ، حيث كنّا أول وفد عربي يزور هذه الدولة التي كانت وقتها تحتل المرتبة الأولى عالمياً في التعليم العام ما قبل الجامعي وذلك من أجل الاطلاع على التجربة عن كثب ومحاولة الاستفادة منها.
وجدت في هذا الرجل الإنسان النبيل المعطاء منذ عرفته دماثة الخلق، ورقي التعامل، والأدب الجم، والوصال والاتصال، وعمق التفكير، وهدوء الطبع، وحسن التجاوب والتفاعل، والمبادرة والمسارعة في كل ما من شأنه المشاركة الحقيقية في تحقيق جودة التربية والتعليم، ورفع كفاءة الأداء في الميدان التربوي.
هزني كثيراً خبر وفاته، وأثر فيّ نبأ رحيله، وهكذا هم النبلاء لفراقهم ألم، وفِي غيابهم وجع، ولكن هي سنة الله عز وجل في خلقه ولا نقول إلا ما يرضي الرب.
لم أستغرب أبداً ما غرد به محبوه، ولا ما كتبه عارفوه، فهو كما قيل فيه وأكثر، ونحن شهداء الله في الأرض، ولولا ما قدم وأعطى، وأبدع وأنجز، وبر وتصدق، وتطهر وصلى، ودعا واستغفر، وقال وفعل، لولا كل ذلك وغيره كثير -بعد توفيق الله عز وجل له- ما نال هذه المنزلة الرفيعة التي مكنته للتربع في قلوب المقربين منه، مع أنه يشغل منصباً قد تتعارض فيه قراراته وتوجيهاته مع رغبات وطلبات منهم تحت إدارته أو لهم مصالح خاصة في منطقته أو محافظته التعليمية رحمه الله.
لقد وضع أبو أحمد بصمته المميزة في تعليم جدة التي لا يستطيع أحد إنكارها، أو محو آثارها، كما أنه قدم للجيل دروساً في الإخلاص والعطاء لهذا الوطن المعطاء بلا كلل أو ملل ودون انتظار لجني ما بذر وغرس يوماً ما، وحق له بعد كل هذا العناء أن يُترحم عليه، ويذكر بخير، وأن تودعه أسرة التعليم والمجتمع التربوي الوطني وأهل مكة وجدة بالدموع والأحزان في جنازة مهيبة شهدتها أجل بقعة في الأرض على ثرى أديم مكة المكرمة الطاهر.
لقد رثاه محبوه شعراً ونثراً، ولسان حالهم يردد مع محبة المكلوم حسن مخافة قوله:
ارحل فذا قدر الإله وحكمه
والله ألطف بالعباد من البشر
ارحل ولكن سوف تبقى خالداً
بقلوب من عرفوك تهطل كالمطر
ارحل ومثلك، كيف يرحل ذكره
ما مات بين الناس من ترك الأثر
(تعليم جدة) أنت من أوليته
حسن الرعاية، ملء سمعك والبصر
وجعلته علماً ومأوى خبرة
ولدى الوزارة عن تميزه الخبر
والكل في الميدان يشهد أنكم
نعم المعين لهم، ونعم المدخر
وجعلت للموهوب أرفع قيمة
قد قلت: هم أمل البلاد المزدهر
قد كنت نعم القائد الفذ الذي
يُعطي بإخلاص، يجود بلا ضجر
إن كان قلبك قد شكى وتعثرت
نبضاته.. فجميل صنعك ما عثر
ارحل وبإذن الله دونك جنة
فيها النعيم المستدام المنتظر
رحمك الله أبا أحمد، وأسكنك فسيح جناته وجعل قبرك روضة من رياضه وأعاننا ومن نحب وتحب على ما أعانك عليه وما بعده وإلى لقاء والسلام