شريفة الشملان
صباح موشح بالجمال، صباح نحتاجه ليبعث بأرواحنا شيئًا من نداوة وطراوة تخفف لهيب الجو من حولنا.
والكتابة هي فتاة بها من الدلال والدلع تريد إبعادنا عمن نحب. تريد جوًا لطيفًا هادئًا ليساعدها على الولادة بسلام.
الكتابة تحب أن تعتزل بصاحبها بعيدًا عن الناس تلتمس الوحدة حتى تخرج معافاة.
ما بين عيد يجلل بالجمع وبالحلاوة برائحة القهوة المبهرة بالزعفران والهيل فنقرر من خلاله أن الأهل واللمة أهم من التوحد مع الجهاز حيث نكتب.
لذا لا بد لي من أن أعتذر حيث لم ألقكم الأسبوع الماضي.
وعندما نذكر العيد تنهال معه طفولتنا والأشياء الصغيرة التي كانت تفرحنا رائحة البخور والمراش في أيادينا الصغيرة نرش ماء الورد على أيادي الضيوف طعم حلاوة (بو بقرة) تلك الحلاوة التي تمتزج بالكراميل ولا ننسى أكلة العيد الصباحية حيث ننظر نحن البنات لأيادينا المحناة التي تلمع نتيجة للأكلة المليئة بالشحم واللحم.
العيادي التي تجتمع في شنطنا الملونة الصغيرة التي نعيد عدها ما بين الفينة والأخرى ونتذكر من لم يعطنا عيديتنا. ومن فاتنا السلام عليه فنعود الالتصاق به حتى تجود يده أو نخرج بخيبة أمل.
بساطة وجمال أتذكر أننا ذات عيد ركبنا عربانة يجرها حصان تنقلنا إلى حيث الدواليب. وهي عبارة عن مجموعات ألعاب بسيطة تدار بالأيادي تطيرنا بعضها إلى أعلى ومن ثم تهبط بنا للأسفل وسط قهقهة خوف وفرح. أما المراجيح فشكل آخر من أشكال اللعب وبعضها ملون ومزخرف. بين لعب وشرب المرطبات وتناول المثلجات. صفرت أيدينا من العيادي جميعها. وأصبحنا في حالة من الرعب كيف نعود لبيوتنا، ورحمنا الله أن إخواننا كانوا معنا يخففون عنا خوف الطريق مشاة.بدأنا الطريق المترب الذي أحال أحذيتنا الجديدة للون الرمادي كما أن ملابس العيد لم تعد بإشراقتها.
وبدأنا بالعودة نعاضد بعضنا ويرجف قلوبنا الخوف من أمهاتنا. وإلى هنا والمسألة تقريبًا عادية، ولكن غير العادي أننا سنمر على المقبرة والدنيا تقترب من الليل. والخوف يجعل أرجلنا الصغيرة تكاد تذوب من رجفة وكأن الموتى سيخرجون لنا من قبورهم بأكفانهم أو بدون.. كل نسمة هواء أو حركة سعف نخلة نظنها الواقعة. وأتذكر أن كل ما حفظته من قرآن كنت أردده.
كلما نقترب كلما نكاد سقط أرضًا، سمعنا إطلاق النار وهوسات (إشعار ندب) وكان الميت من (السعدون) رؤساء عشائر المنتفك الذي يدفن في مقبرة (الحسن البصري) في الزبير، وكان من عادتهم أن يودعوا ميتهم الكبير بتلك الطلقات النارية. ولا ندري أي رعب هب علينا كنا نخشى الأموات ولكن ها هم الأحياء يطلقون النار فيما حولنا.
هذا الشيء لا نعرفه في بلدنا حيث يودع الميت عادة بصمت مهيب.
المهم زاد خوفنا وأصبحنا نحث الخطى محاولين الركض للمدينة حتى وجدنا طلائع أهلنا هبت للبحث عنا.. وكانت فرحتنا بالسلامة أزالت عنا الخوف من عتاب والدينا الذين كانت فرحتهم بسلامتنا أنستهم عقابنا.
هو العيد مهما كانت ذكرياته يبقى عيدًا ويبقى له طعم جميل.. حاولت أن أسترجع بعضه بأن أضع الحناء لحفيدتي التي لم تبقه إلا ثواني وأزالته.
ها أنا أقرب لنهاية مقالي اليوم.. فما زالت حلوى العيد تملأ البيوت ورائحتها العذبة تنتشر مع صيام ست من شوال يكون العيد جاء مرة أخرى لأغلب البيوت حيث أكتب اليوم الاثنين.
وكل عام وأنتم بخير، كل عام والعيد ينشر أجنحة الحب..