د. حمزة السالم
ومعنى عملة الاحتياط الدولية هي العملة التي احتكرت طبيعيًّا السوق الدولية، وتعارف العالم على تكون هي مرجع التسعير/ التثمين ووسيلة للتصفيات والتبادل في المعاملات الدولية وغطاء للعملات المتنوعة، وهي اليوم الدولار الذي حل محل الذهب -الذي كان هو عملة الاحتياط قبل الدولار-، والذي حل محل الفضة -التي كانت هي عملة الاحتياط قبل الذهب- والتي حلت محل النحاس -الذي كان هو عملة الاحتياط قبل الفضة-. فعملة الاحتياط الدولية هي عملة احتكارية بالطبيعة، والاحتكار الطبعي يحصل متى صارت الكلفة تنخفض مع زيادة الطلب. وشرط تحقق هذا، أن يكون المحتكر الطبيعي قادرًا على تلبية الطلب كله، مع كونه نادرًا إلى حد يمكن الاحتفاظ بقيمته.
فالفضة كانت أقل من أن تستوعب المبادلات العالمية لذا كان النحاس هو المحتكر الطبيعي لعملة الاحتياط الدولية، فلما كثرت الفضة -في بدايات اكتشاف الأميركتين- حلت الفضة محل النحاس، ومع اكتشاف كميات كبيرة للذهب في أمريكا الشمالية، وأصبح قادرًا على تلبية الطلب العالمي على العملة الدولية، حل محل الفضة، إلا أن وفرة الذهب جاءت مع بدايات النهضة الإنتاجية فأصبح الذهب عاجزًا عن تلبية الطلب العالمي مما دفع الأسواق بالطبيعة لتبني، الدولار -أغزر عملة وأكثرها مصداقية حكومية وعسكرية وأعظمها دعمًا بالإنتاج- فقد كانت أمريكا آنذاك تنتج نصف إنتاج العالم-.
الفوز بعرش عملة الاحتياط هو فكر قديم تحلم به الإمبراطوريات لما فيه من هيبة وتمويل رخيص للإمبراطوريات، وخاصة بعد الانفصال عن الذهب. وقد درست اليابان في السبعينات مقترحات الدفع بعملتها لتبوء عملة الاحتياط في شرق آسيا، ولكنها عدلت عن ذلك وارتأت التركيز على الإنتاج الحقيقي. وهذا الاتجاه في الابتعاد عن هيمنة العملة دولياً يبدو واضحاً أنه اتجاه الصين أيضاً، التي لا تبذل أيّ جهد للسير في هذا الطريق بل على عكسه وذلك بربط عملتها بالدولار. والتجربة الأوربية في اليورو التي كانت طامحة لمزاحمة الدولار في هيمنته لم تنجح، وذلك لأن مصداقية عملة لعشرين دولة سياسية، لا ترقى أبدًا لمصداقية عملة دولة واحدة.
وعملة الاحتياط الدولية، لا تخضع لنظريات الائتمان، فعندما خفضت وكالة ستاندارد آند بورز التصنيف الائتماني الأمريكي كانت ردة فعل السوق العالمية معاكسة تماماً لتنبؤات النظرية التي نجحت في إثبات مصداقيتها في جميع الحالات (ما عدا حالة اليابان لوضعها الخاص -وهو ضخامة احتياط بنكها المركزي مع الإقبال المحلي على السندات الحكومية). فالنظرية الائتمانية، تُملي بأن تخفيض التصنيف الائتماني للدين الحكومي الأمريكي سينتج منه انخفاض أسعار السندات الحكومية الأمريكية، نتيجة لانصراف الناس عنها؛ ما يسبب ارتفاع عوائدها، أي ارتفاع أسعار الفوائد للسندات الجديدة. وهذا ما حصل عكسه بالضبط؛ فقد ارتفع الطلب العالمي على السندات الأمريكية بمجرد تخفيض التصنيف فارتفعت أسعار السندات، وانخفضت عوائدها إلى مستوى تاريخي لم يحصل مطلقاً في تاريخ أمريكا؛ ما نتج منه انخفاض في أسعار الفوائد للسندات الجديدة. والحديث في الاقتصاد النقدي العالمي، حديث ذو شجون، لا نهاية له.