د. محمد بن إبراهيم الملحم
تداولت الأوساط المثقفة وجموع الأكاديميين الأسبوع الماضي خبر إحراز جامعتين محليتين مركزين متقدمين في تقييم الجامعات عالمياً في براءات الاختراع هما جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك سعود، وهو بلا شك خبر مفرح وسار ونطمح أن تحافظ جامعاتنا التي نفخر بها دوماً على هذا التقدم، بل تنافس فيه وتتقدم أكثر وهذا الخبر بدون شك يدعونا إلى طموح آخر أهم هو أن تتألق جامعاتنا في نسبة ما تفعّله من هذه الابتكارات في التصنيع والتطبيق الفعلي لها، وإني لا أشك لحظة أن كثيراً من هذه الاختراعات تمت الاستفادة منها محلياً فعلاً باعتبار أن كثيراً منها ينتمي غالباً إلى البحث المدعوم من الشركات الرائدة لدينا والتي تفعل ذلك بحكم حاجتها لتلك الاختراعات في تطبيقات خاصة لديها في خطوط الإنتاج لحل مشكلات قائمة أو تطوير عملياتها نحو أداء أفضل وهي ممارسة مشهورة في شركة أرامكو مثلاً والتي تسجّل سنوياً مئات براءات الاختراع ونسبة منها بالتعاون مع جامعاتنا المرموقة.
الطموح أن تكون هناك إستراتيجية وطنية لتفعيل كل ما يتم تسجيله من ابتكارات سواء تفعّل في السوق المحلي أو بالتعاون مع الهيئات ذات العلاقة في الدول الصناعية، فإذا ما تحقق ذلك فإنه سيكون مشجعاً وحافزاً للمبتكرين لدينا للعمل أكثر لما تشعرهم به هذه السياسة والنشاط الفعّال من شعور بالأمان نحو ما سيبذلونه من جهد خلاَّق وما يصرفونه من وقت ومال حتى يصلوا إلى نتائج ذات قيمة.
أسئلة أخرى تلح على جامعاتنا لتسير في نفس السياق وهي: كم نسبة التفوق في نتائج الطلاب؟ وكم نسبة المخترعين والمبتكرين منهم؟ وما هي أيضاً نسبة مشاركة الطلاب في التحسين والجودة التي تنشدها الجامعة؟ وإلى أي مدى تسهم الجامعة في صقل شخصية الطالب بما تعكسه أنشطتها الطلابية؟ وما هي نتائج الدراسات التي تدرس (باستمرار ووعي رسمي) العلاقة بين النمو الشخصي للطالب الجامعي ونموه الأكاديمي؟ وما هو دور الجامعة في الارتقاء بثقافة الطالب من خلال مقرراتها الإجبارية (العامة)؟ وكذلك ما هو دورها في إحداث نقلة نوعية «تحويلية» transformational في مستوى الطالب الجامعي الحضاري من حيث سلوكه وانضباطه ووعيه المجتمعي والبيئي والصحي والاقتصادي؟ وما هو دور الجامعة في تطوير مستويات أساتذتها (السعوديين على الأقل) في قدراتهم التدريسية والبحثية؟ وكم نسبة التسرّب بين الطلاب؟ وما هي إنجازات الإرشاد الأكاديمي الطلابي لتقليل هذه النسبة، وعندما نقول نسبة التسرّب فلن نقصرها على التسرّب من الدراسة الجامعية فحسب ولكن أيضاً التسرّب من التخصص إلى تخصصات أخرى أقل أو التسرّب بين التخصصات المتشابهة كمؤشر لضياع بوصلة التعرّف على الذات المهنية/الأكاديمية في وقت مبكر ...
عندما تطرح هذه الأسئلة فإنك تتوقّع أن تجد الإجابات على صورة: أنشطة وجهود قامت و»تقوم» بها الجامعة باستمرار وهي ممارسة قد غدت تلقائية طبعية لدى كل أجهزة وأفراد الجامعة إحساساً منهم بمسؤوليتها وتشبعاً منهم برؤيتها، وكذلك تجد مقابل هذه الأنشطة دراسات تقييمية مستمرة ترصد الظواهر التي تستهدفها الجامعة وتتأكد أن ما تبذله من جهود يؤتي ثمرته بالطريقة الحقيقية المنشودة والتي يمكن أن تظهر ثمرتها في المستقبل البعيد (أو القريب) نتاجات نوعية ابتكارية وإبداعية ترتقي بالاقتصاد والثقافة والفكر. تتوقّع أيضاً أن تبهرك الجامعة بأرقام وإحصاءات ومشاهدات ووقائع ونتائج انعكاسية تشهد لكل أنشطتها بالأثر الفعَّال والقيمة ذات الجدارة والتي تسم الجامعة بالمحرك الفعلي للتغيير والتحديث في المجتمع، ولقد كان للجامعة السعودية يوماً ما هذا الدور وتحدث الجميع عن الخريج «الجامعي» بلغة ثناء وإعجاب وأصبحت هذه المفردة قرينة وصف إيجابي من نوع خاص كل شخص يدركه ويعيه بنفس المستوى والطريقة والنظرة والتي كلها تؤدي في النهاية أن الجامعة تغير الأشخاص وتنقلهم وتحسّن تفكيرهم ورؤيتهم للعالم إلى الأفضل، هل هذه الصورة لا تزال هي هي يا جامعاتنا العزيزة؟ لن أقول لطالب البكالوريوس فقط، بل ربما أتجرأ وأطرح نفس السؤال حول طالب الماجستير! ليس هذا لوماً أو سوداوية ولكني أستلهم تاريخكم أنتم أيها الجامعات، نفس الجامعات ونفس النظام ونفس الكليات، لقد حققتم يوماً ما هدفاً حضارياً سعدنا به جميعاً، فلمَ لا تتكرر التجربة مرة أخرى؟ وأكرر شكري لكم للتفوّق في براءات الاختراع، فقد أسعدتمونا فعلاً، أعيدوا لو سمحتم اختراع «الخريج الجامعي» الذي نفخر به ونعتمد عليه لتكتمل فرحتنا.