د. أحمد الفراج
بات واضحاً، بعد أكثر من سنتين في البيت الأبيض، أن الرئيس ترمب قرَّر مواصلة العمل بنهجه المتفرّد وغير المعهود، وهو في هذا يرضي جمهوره الخاص، ولكنه يغضب غيرهم، فهو لا يعترف بالبروتوكولات، التي رسمها الآباء المؤسسون وسار عليها من تبعهم من الرؤساء، فالرؤساء السابقون يختلفون مع الإعلام، وهناك معارك مشهودة، بين إعلاميين من طراز رفيع، مثل سام دينلسون وهالين توماس، ورؤساء عيار ثقيل، مثل رونالد ريجان وجون كينيدي وبوش الأب، ولكنها معارك راقية، يتابعها الناس ويحترمون كلا الطرفين، وقد كان الرئيس ريجان، وهو المفوّه صاحب الكاريزما الصارخة، هو أحياناً من يثير الإعلامي المشاكس دينلسون، وليس العكس، ويجد متعة في الحوار والمشاكسة، التي غالباً يتابعها الجمهور بشغف.
الرئيس ترمب لا يعترف بهذه الإستراتيجية، فهو يتعامل مع الإعلام كخصم شرس، عدا بالطبع قناته المفضَّلة، فوكس نيوز، ومعها بعض المطبوعات اليمينية المحافظة، أي أنه ينظر للإعلام من زاوية الصداقة والعداوة، وهو يفعل ذلك كإجراء انتقامي من الإعلام، الذي حاربه بشراسة، منذ أن ترشح للرئاسة، وزاد عيار الهجوم عليه بعد الفوز، وسبق أن كتبت مراراً بأن ترمب مسؤول جزئياً عن الهجوم الشرس عليه، ولولا عناده المشهود، لعلم أنه لا يمكن له أن يهزم إعلام أمريكا المتوحّش، الذي بإمكانه أن يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، فهو الإعلام، الذي أطاح برؤوس سياسية كبرى، وصنع رموزاً من شخصيات لا تستحق، فترمب قد قرّر المواجهة، معتمداً على حسابه الشخصي على تويتر، ومن خلال أصدقائه ومناصريه في فوكس نيوز، وعلى رأسهم شون هانيتي، الذي يرتّب برنامجه الشهير حسب رغبة ترمب.
حسب التقارير من داخل كواليس محيط ترمب، فهو يتابع أخبار وبرامج القنوات التي تهاجمه، ويذكّرني في هذا بالعسكري، في مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»، عندما يحقنه عادل إمام ضد رئيسه، ثم ينفجر غضباً سرعان ما يتبخّر، فترمب يتفجّر غضباً، ثم يبدأ التغريد بما يوحي أنه غاضب، وهذا هو مطلب الإعلام المحترف، الذي يتأكد أن استفزازه للرئيس يعمل بكفاءة عالية، ثم ينتقل للخطوة الأخرى، وأنا على يقين بأن ترمب لا يستمع لمستشاريه، لأن أقل المستشارين تأهيلاً سيخبره بأنه هو من ينفخ في الهجوم الإعلامي ضده، من خلال الغضب والتفاعل، وكأني أرى المستشارين في حالة حيرة، ولكنهم ربما يؤمنون بمقولة: «إنك لا تستطيع تدريب وعسف الفرس الكبير»، فترمب تجاوز السبعين من عمره، ويصعب تخيل أنه سيتخلّى عن نرجسيته وعناده في هذا العمر المتأخر، وبالتالي سيواصل إستراتيجيته التي يعشقها خصومه الإعلاميون.