رمضان جريدي العنزي
الشمس لا تحتاج إلى دليل أو برهان أو إيضاح، والقمر أيضًا، وكذلك الواثق من نفسه لا يحتاج إلى ألقاب وصفات ومسميات، فالناس تذكره، وتحفظ اسمه وفعله وخصاله النبيلة وأفعاله القويمة، إن الذين يحاولون أن يطلقوا على أنفسهم الألقاب والصفات، أو يوعزوا للآخرين بفعل ذلك، هم الذين لا يملكون وجودًا حقيقيًّا، ولا إرثًا جوهريًّا، ولا فعلاً بائنًا، لهذا هم يحتاجون إلى التنميق والتجميل وشراء المساحيق الكثيفة، وإضفاء الصفات عليهم لإخراجهم من العتمة الشديدة التي يعيشونها إلى دائرة الضوء، إن صاحب الوجود الحقيقي لا يبحث عن الضوء والإطراء والإشادة، عكس الآخر الذي لا وجود له فنراه لا يهدأ، لا يكل، ولا يمل يبحث عمن يضعه في دائرة الضوء، إن الناجحين الحقيقيين لا يحتاجون لتأطير أسمائهم، ولا يبحثون عمن يؤطرها لهم، هم نشطون يغذون الحياة بماء العطاء، ويوقدون مشاعلها بزيت الخير، ويحرثون الأرض لينثروا فيها بذور العطاء، عكس الكسيحين علميًّا ومعرفيًّا واجتماعيًّا، يحاولون أن يسبقوا أسماءهم بأفخم الألقاب والصفات والمسميات المنافية للحقيقة والحال والواقع، إن الذين يحاولون أن يجعلوا من أنفسهم معلمًا بارزًا دون فعل ظاهر سوى البهت والزيف والدجل، سيلفظهم الناس لفظًا تامًّا ولن يبالوا، إن كثيرًا من هؤلاء يعيشون الازدواجية والتناقض الحاد والبائن، ولا عندهم تقريع ولا تأنيب ضمير يحملهم على التفكير بواقعية سليمة، إنهم يستمتعون بأفعالهم القاصرة هذه، وكأنهم يستمعون إلى طرفة أو نكتة، إن بضاعة هؤلاء القاصرين رديئة، وإن حاولوا تسويقها بثمن بخس، أو بدعاية رخيصة، إن سقوفهم واهنة وإن حاولوا ترميمها وتزيينها، فهي عرضة للاهتزاز والسقوط لأن موادها مغشوشة، وبنيانها غير صلب وبلا قواعد ولا أساس، إن تزييف الإنسان لنفسه، من العيوب المكشوفة، والأفعال الدونية، والناس لا يمنحون حبهم واحترامهم وتقديرهم إلا لمن يعرفون عنه العطاء والعقل والحكمة والبصيرة، إن تسويق الذات المهزوزة المهزومة مرفوض رفضًا تامًّا من كل عاقل حصيف، إن سعي هؤلاء المحموم لإبراز الذات بكل وسيلة وطريقة وفرصة ومناسبة، يعد مسلكًا مذمومًا وقصورًا أخلاقيًّا، إنهم صرعى أخيلة زائفة، وقراءات خاطئة، وأفعال لا تسند إلى مدارك سليمة وواعية، إن الذاتية مثل السل والطاعون والأمراض التي لا يرجى برؤها، في القول المأثور: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) فأين هؤلاء من معرفة أنفسهم حق المعرة؟ إن اعوجاج السليقة، وتحريف الحقيقة، صفات ذميمة ومكروهة، أصحابها يتدحرجون إلى السفح، ويعرضون أنفسهم للانتقاد والذم والمتاعب، وينتظرهم الخسران المبين.