د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
قبل بضعة أعوام وفي أحد معارض الكتب العربية أشار عليه أحدُهم باقتناء كتاب (مسلمة الحنفي: قراءة في تاريخ مُحرَّم) لمؤلفه: جمال علي الحلاق، وفعل، ولم تصل طائرته إلى الرياض حتى كان قد قرأه ثم أودعه مكتبته فلم يجد فيه غير لغة الرفض لما سُمي به «مُسيلمة» مصغرًا وما وُسم به: «الكذاب»، ولم يعطه عنايةً في حينه اقتناعًا بتشابهه مع «الكتب الغُبارية» التي تهدف إلى إثارة الغبار لا أكثر وحين ينتهي قارئُها منها فقد تلتبس لديه مفاهيم مستقرة يحتاج إلى استدعائها لا استعدائها؛ فلا هو احتفظ بمعلوماته الأولى ولا هو أضاف إلى مخزونه مفيدًا، وما يزال يذكر عناوين اشتراها ضمن هذا الاتجاه، ومنها: «جناية سيبويه» و»جناية البخاري» و»جناية الشافعي»، وما رأى جناياتٍ بل جَنى، ولم تعدُ دربَ الكتب الغُبارية التي لا منهج يسندها فرفَّفها ولم يرجع إليها ولا إلى كاتبها «زكريا أوزون»، ولا تختلف هذه ولا تلك عن غباريات «محمد شحرور» في التفسير و»عدنان إبراهيم» في الفتيا و»يوسف زيدان» في التأريخ وسواهم، ولم يكن ليشير إليها لولا تكاثر الحديث «الفضائي» عن بعض الشخوص - الرموز، وكأنَّ رفض السائد منطلقٌ لمنطق، وأنَّى له ذاك.
** يقتنعُ بعضنا بنظرية «الرفض» بوسمها أقوى من القبول؛ حيث الرفض يجدد والقبول يردد، والرفضُ يخلق أجواء الإبداع بينما القبول يجذر الاقتناع، ومن اليقين أن التجديد والإبداع أكثر فاعليةً من الترديد والاقتناع، وهذا حقٌ في مجمله يدعو إلى التفكير لا المسايرة، لكنه – في صورةٍ مقابلةٍ - إيهامٌ للعقل بمقدرةٍ مطلقةٍ تجعله في صراعٍ مع المعلوم والمنقول؛ فيشككُ فيما يقرأ وما يسمعُ، والحديث هنا معرفيٌ لا اجتماعي، والرفضُ إذن سيتجه نحو المأثور والمرويِّ بدرجةٍ أولى، ولا بأس لو كان للرفض مدىً يريحُ صاحبه وينتهي به إلى نظريةٍ بديلةٍ يستطيع عبرها تقديم تفكيرٍ «عقلاني» ذي مقدمات منطقية واستنتاجاتٍ عملية.
** تبادلت الأدلجات العربية «الترافضَ» بينها فتباعدت وتعادت، وتباعد تابعوها وتعادَوا، وبقي كلٌ خلف متاريس الرفض، وخلَف من بعدهم خلفٌ فرضوا رواياتهم للأحداث والاتجاهات بصورة عجلى متفقةً مع أدلجاتهم ومتكئين فيها على تدافع معلوماتي مشوش نواتجه كتاب غباري ومسلسل غباري وتغريدات غبارية، وقصورٌ فيمن ادَّعى الفهم وقوفُه عند عملٍ تجاريٍ - بتعدد منحنيات التجارة - كي يحاكم شخصًا أو نصًا أو رمزًا أو مرحلةً أو تأريخًا.
** ولأن معظم الجيل الناشئ قارئو عناوين غبارية عبر وسائط لاهثة فإن ما يجري من تحشيدٍ لهم لا يتخطى إضافة أصفارٍ لا قيمة لها حين تتبدل مهابُّ التأثير فلا يُراهَنُ عليهم ولا يُعتدُّ بهم، ولن يجد مكبِّرو مسيلمة ومتهمو البخاري وأضرابُهم غيرَ سرابٍ يحسبه ظامئُهم ماءً وهو هباءٌ أو هُراء.
** الغبارُ مثارٌ لا منار.