عبدالعزيز السماري
كل شيء يتغير، حتى الوجوه أصبحت لا تثبت على حال، فالملامح أصبحت رهينة مشرط الجراح، والعلامة الفارقة اختفت للأبد، وأصبح الوجه مثل الفستان يتغير بتغير الزمان أو المكان، وسيكون من الصعب أن تظل الصورة الفوتوغرافية وسيلة التعرف على الشخص في بطاقة الهوية، فقد تجاوزها الزمن.
وصل الهوس في عمليات التجميل إلى مرحلة متقدمة، يقود ذلك نجوم الغناء والسينما، لكنه في واقع الحال منتشر بين الناس، وفقًا للجمعية الأمريكية لجراحي التجميل، خضع ما يقرب من 18 مليون شخص لعمليات جراحية وتجميلية بسيطة في الولايات المتحدة في عام 2018.
من المهم التفريق بين عمليات التجميل لعيب خلقي أو عاهة جسدية، وبين تلك العمليات التي تمشل تغيير الشكل تماماً، وتحويله إلى صورة مركبة لبقايا من سمات الجمال الطبيعي في الإنسان، هم لا يعرفون أن الجمال الطبيعي ليس أثناء سكون عضلات الوجه، ولكن جمالها يبدو أثناء حركتها العفوية، وهو ما تفشل عمليات التجميل في إيصاله..
قد لا توجد إحصائيات في العالم العربي لكنه من اختلاف صور الفنانات والمتغيرات الكبرى في وجوههم والاختلاف الشاسع بين صورهم الجديدة والقديمة قد يعني أنه متفشٍ ومنتشر بين الناس، فالصراع من أجل جمال أكثر يحتدم، والخاسر فقدان الجمال الطبيعي لملامحه الطبيعية..
من أول نظرة لوجه تعرض لمشرط الجراح، تبدو التفاصيل غير الجميلة، وتظهر بصمات الإنسان في فواصل الجمال الطبيعي، لكنها قد لا تعني انتقالك من منزلة الأقل جمالاً إلى الأكثر، فالأمر تجاوز الجمال إلى العوامل النفسية، فعمليات التجميل تبدو نفسية أكثر من أي شي آخر، والإنسان قد يعالج أزماته الاجتماعية بالمزيد من عمليات التجميل، بينما ذلك لا يغير من الأمر شيئًا، فالإنسان سيظل كما هو، مهما أجرى من تغييرات على شكله الخارج، وسيظل حبيس أزماته مهما استبدل في قسماته..
كيف تؤثر هذه الإجراءات على المرضى نفسيا؟، وجد الباحثون أن الذين لا يشعرون بالرضا عن الجراحة قد يطلبون إجراءات متكررة أو يواجهون مشاكل الاكتئاب والتكيف، والعزلة الاجتماعية، والمشاكل العائلية، والسلوكيات المدمرة ذاتياً، والغضب تجاه الجراح وموظفيه، حلقات لا تتوقف، ولعل معالجة البدني للنفسي لا تجعل منك إنساناً أفضل..
يخضع الرجال والنساء على حد سواء لعمليات تجميل في وجوههم وأجسادهم، فالرجال أصبحوا يسبقون النساء إلى عيادات التجميل، لكن العامل المشترك بين هؤلاء وهولاء هي السطحية، التي لا يمكن تعريفها من دراسات نفسية أو اجتماعية، فهي بكل إيجاز الحديث المختزل والبسمات المصطنعة..
كشفت دراسة حديثة أنه بعد مرور عام على إجراء الجراحة التجميلية، أبلغ 87 بالمائة من المرضى عن رضاهم بعد الجراحة، بما في ذلك تحسينات في صورة الجسم بشكل عام وتغيير ميزة الجسم، كما أنهم عانوا أقل من المشاعر السلبية لصورة الجسم في المواقف الاجتماعية، لكن قد يبدو مبكراً للحكم على هذه التحولات.
خلاصة الأمر أن علماء النفس قلقون بشأن التأثير النفسي على أولئك الذين يخضعون لمثل هذه الجراحات التجميلية الجذرية والمتعددة، كذلك على أولئك الذين لا يشعرون بالقدر الكافي برغم من تعددها، لذلك يخطط بعض علماء النفس للتحقيق في هذه الطفرة في الإجراءات التجميلية، وما إذا كانت لهذه العمليات الجراحية عواقب نفسية دائمة على الإنسان.