د. محمد عبدالله العوين
كان الأستاذ محمد بن سعد الدبل يستعد لمناقشة رسالة الماجستير في قاعة كلية الشريعة بالرياض في مقرها القديم بشارع الوزير المقابل لمصلى العيد، وكانت الكليتان الشريعة واللغة متجاورتين؛ إذ كانتا في بداية إنشائهما تحت مسمى واحد، وعميدهما واحد.
عنوان الرسالة (النظم القرآني في سورة الرعد) والمشرف أستاذنا في البلاغة والنقد القديم د. بدوي طبانة، وأحد المناقشين د. أحمد كمال زكي، والمناقش الثاني د. درويش الجندي، كما أتذكر.
كنت متعلقاً بالدبل ومحباً له، فقد درّسني في المرحلة المتوسطة ثلاث سنوات بالمعهد العلمي في الحوطة، كان يعلّمنا كيف ننشئ المقال وكيف نلقي في مادة اختفت هذه الأيام تُسمى (الإنشاء).
والدبل فيه ظرافة وحب للأنس والتعليق على من يخطئ، فمرة قرأ أحد الطلاب في السنة الثانية المتوسطة من كتاب (النظرات) للمنفلوطي مقالة عنوانها: الشَعرة البيضاء، بالكسر فضجت القاعة بالضحك، واستدرك الأستاذ الدبل الموقف ليرفع عن الطالب الحرج وقال: بالفتح يا ابني الله يهديك!
أشعر بفضله علي منذ تلك السنوات الأولى في الدراسة؛ فقد كان يطلب مني الوقوف لأقرأ ما أكتب في مادة الإنشاء، وأهدى إلي مجموعة من كتب المقالات للرافعي والمنفلوطي وطه حسين، وأوكل إلي تقديم حفلات المعهد العلمي برفقة الزميل العزيز زيد بن عبد العزيز الخرعان فحفظت له ذلك الجميل.
اتفقت معه على أن أوثّق مناقشة الماجستير بقاعة كلية الشريعة، ولماذا قاعة هذه الكلية وليس كلية اللغة العربية؟! لأنها مع الأسف لم تكن لها قاعة كبرى خاصة، فكانت الحفلات والمناسبات الشعرية والمناقشات العلمية في كلية الشريعة؛ من باب التعاون بين الكليتين، وعلى اعتبار أنهما كانا تحت مسمى واحد.
ابتدأت المناقشة، وامتلأت القاعة بالحضور، وأخذت زاوية مواجهة للمناقش ولجزء من جمهور الحضور، وانطلق الفلاش بقوة في وجه الصفوف الأولى مرات عدة، فدار لغط وضجيج لم أعلم مصدره، ولكنني ضغطت أيضاً على الفلاش فرأيت عدداً من الحضور يغطي وجهه بغترته أو بشماغه، وأصوات تقول: التصوير ممنوع، والباحث مسترسل بتقديم بحثه، رأيت أنني غير مرحب بي ولا بكاميرتي، وخشيت أن أخسر ما كسبت من لقطات، فهربت مع الباب الجانبي الصغير القريب من منصة مسرح المناقشة؛ خوفاً من أن يلحقني أحد من غطى وجهه بشماغه فيخرج الفيلم من الكاميرا أو يصادر الكاميرا بقوة الساعدين والمؤيّدين له في زمن كان المجتمع يعبأ بدعوات التطرف ويؤججه خطاب منغلق.
وقد تعرضت قبل هذا الموقف بأشهر لجلسة مساءلة من أحد العمداء؛ لأنني كنت أصور الطلاب والمشرفين في رحلة علمية خارج المملكة وأحمل معي تماثيل، وما هي التماثيل؟ كانت مجسماً لتاج محل بالهند اشتريته كتحفة فنية، وزيادة على كل تلك الموبقات - حسب زعمه - تكتب قصائد غزل أيضاً؟!
فلم أرد أن أزيد الطين بلة!