د. محمد عبدالله الخازم
أبدأ فكرة المقال بالإشارة إلى أن الجامعات السعودية الأولى كان لها إسهامها البارز في تعزيز الوحدة الوطنية والانتماء والتعرف على الآخر المنتمي لجزء مختلف من البلاد. ففي جامعة الملك سعود تعرفت على ثقافات وأصدقاء من جميع مناطق بلادي وزاملت أعزاء اختلف معهم في القبيلة والمذهب والعادات وطبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية، تقبلتهم وتقبلوني في صداقات ومحبة ممتدة طيلة العمر. لم تكن الجامعة تميز بين طالب تخرج من أقصى الجنوب أو الشمال أو الغرب أو الشرق أو الوسط. كانت وما زالت مثلها بقية الجامعات الأولى كما هي مدننا الكبرى، رموزًا لوحدتنا، فيها تألفنا وفيها اجتمعنا ونجتمع من كل مكان.
وبفعل التوسع التنموي أسست جامعات المناطق والمحافظات، وبدأت تبرز نغمة أبناء المنطقة أو المحافظة أولى بالدراسة في جامعة منطقتهم! سبق أن حذرت من ضرورة وضع ضوابط في هذا الشأن تراعي الوحدة الوطنية قبل العاطفة الفردية والاجتماعية، وإلا سنجد ابن المنطقة ينهي الثانوية والجامعة في منطقته دون التعرف على أبناء مناطق أخرى ودون احتكاك بأطياف مختلفة من أبناء الوطن وبالتالي ستبقى خبراته محدودة وليست شمولية في مفهوم الوطن وتقدير كافة مناطقه وأطيافه. لأجل ذلك أعيد مقترحي مطالبًا بآلية توازن بين أولوية منح المقعد لابن المنطقة واستقطاب من هو خارجها. هذا المقترح يتمثل في تقسيم القبول إلى مرحلتين؛ الأولى، قبول أبناء المنطقة واقترح أن يتاح لهم نسبة 70 في المائة من المقاعد - مثلاً. والثانية، قبول الطلاب من خارج المنطقة بنسبة 30 في المائة، قد يكون منها 5 في المائة للأجانب.
الفكرة هي ضرورة تنوع طلاب الجامعات على مستوى الوطن وأهمية إيجاد تنظيم واضح لهذا الأمر. والأهمية هنا ليست فقط في أهمية تعزيز الوحدة الوطنية، بل كما هو معروف في الأدبيات الأكاديمية والثقافية والاقتصادية، تنوع الطلاب يسهم في تعليمهم قيمًا متنوعة مثل قبول الآخر والتعرف عليه وعلى ثقافاته المختلفة وتحفيز التنافس الأكاديمي وغير ذلك من الأمور. طبعًا الأمر ينطبق على الطالبات وربما بنسب مختلفة قليلاً كان يكون المتاح لبنات المنطقة 80 في المائة بدلاً من 70 في المائة. وعلى الجامعات توفير أو دعم توفير إسكان للقادمين من خارج منطقتها. ولكي نعزز هذا الأمر فعلينا كذلك إتاحة فرصة دراسة الطالب لفصل أو فصلين في جامعة سعودية أخرى في منطقة أخرى. نحتاج تعزيز الحراك الطلابي بين الجامعات السعودية في مختلف مناطق المملكة، فهو توجه عالمي، وجامعاتنا متأخرة فيه كثيرًا على المستوى المحلي وعلى المستوى العالمي.
موضوع التنوع يجب أن يسري كذلك على الوظائف الأكاديمية، حيث لا يفترض أن تكون هناك أولوية لابن المنطقة في الوظيفة الأكاديمية، على حساب الكفاءة وعلى حساب التنوع وعلى حساب تعزيز التنوع. سنترك التوسع في هذا الجانب لمقام آخر.
ملاحظة أخيرة؛ هناك جامعات قد لا ينطبق عليها التنظيم المقترح أعلاه بصفتها جامعات وطنية تخصصية مثل جامعة البترول أو جامعة سعود الصحية أو جامعة الملك عبدالله، أو الجامعة الإسلامية فهذه جامعات يجب إتاحتها منذ البداية للجميع، دون تغليب أبناء منطقة محددة دون الأخرى.