محمد سليمان العنقري
بعض الأحداث تصاحبها ردات فعل، تستحق التوقف عندها. فقبل أيام أثارت تصريحات لمسؤول عربي، احتوت على عبارات عنصرية، وأيضًا استفزازية، بل مستغربة من ناحية حديثه عن أولوية العمل لمواطنيه في وطنه مقارنة بجنسيات عدة ذكرها، من بينها العمالة السعودية؛ وهو ما أثار الاستغراب؛ فالسعوديون لا يعملون لا في بلده، ولا في غيرها كعمالة مهاجرة، بل المملكة فيها وافدون يتبعون أكثر من مائة جنسية، ومن دولة هذا المسؤول يوجد أكثر من مائتي ألف يعملون بالمملكة، لكن قد لا يكون مهمًّا الرد على تصريحاته؛ فهي للاستهلاك الداخلي ببلده، ومع ذلك أثارت سخط مواطني دولته أكثر من أي مواطنين للجنسيات التي ذكرها.. لكن ما صاحب هذا الحدث من ردات فعل هو ما يطرح التساؤل الكبير حول اكتشاف واستقطاب الكفاءات الوطنية؛ فقد تفاعل بعض أصحاب الأعمال من المواطنين مع هذه التصريحات المستفزة، وقاموا بإنهاء عقود وافدين من جنسية هذا المسؤول، وقالوا إنهم سيوظفون كفاءات وطنية بدلاً منهم؛ وهو ما أثار السؤال المهم: لماذا لم يتم من الأساس فتح هذه الفرص لشباب الوطن الذين أنفقت الدولة أموالاً طائلة لتأهيلهم وتعليمهم، وأعدتهم لسوق العمل؟ فلماذا لم تفتح الأبواب لهم من الأساس من القطاع الخاص ليكونوا هم الخزان الحقيقي لتوفير القوى العاملة دون الحاجة لما أُخذ من إجراءات، ونُفذ من برامج، تلزمهم بنِسَب توطين؟ فإذا كانت الكفاءات الوطنية موجودة، وتقدم الدولة الكثير من الدعم لتوظيفها من حوافز، وتتحمل جزءًا من أجورهم ببداية حياتهم العملية عبر برامج صندوق الموارد البشرية «هدف»، فلماذا لا تقوم منشآت القطاع الخاص بشكل عام بمبادرات طوعية لتوظيف المواطنين، والتركيز على استقطابهم، ومنحهم الفرصة، كما فعلت بعض الشركات الكبرى مثل أرامكو والبنوك وشركة الكهرباء وسابك والعديد من الشركات الصناعية الضخمة وشركات الاتصالات التي ثبت من خلالها قوة تأهيل وكفاءة المواطنين في التشغيل والنهوض بهذه الشركات العملاقة؟ فالمملكة تعيش نهضة تعليمية غير مسبوقة، وتحتل مرتبة متقدمة في الإنفاق على التعليم والتأهيل عالميًّا.. فنحو 25 % من الموازنات العامة سنويًّا تذهب لقطاع التعليم، وفي جامعات المملكة المنتشرة بالمناطق كافة يدرس أكثر من مليون طالب وطالبة فيها، بخلاف الملتحقين بالمعاهد والكليات التقنية، وكذلك المبتعثون؛ وهو ما يعني أن الكفاءات الوطنية متوافرة بأعداد تستطيع شغلغلب الوظائف المهمة بالقطاعات والأنشطة كافة؛ وهو ما يفترض أن يركز عليه القطاع الخاص من حيث المبادرة بالبحث عن الكفاءات الوطنية، وفتح الفرص أمامها.
الكرة في ملعب القطاع الخاص؛ ليعتمد بشكل أساسي على العمالة الوطنية بالوظائف كافة التي تعد ركيزة أساسية في تشغيل المنشآت، وذات متطلبات تأهيل عالية، ودخل جيد.. وإذا كانت مبادرة بعض أصحاب الأعمال بتوطين وظائف يشغلها وافدون تعد مبادرة إيجابية، وأن الحدث نبههم لأهمية استقطاب الكفاءات الوطنية، لكن من الضروري أن تتغير وجهة بوصلة القطاع الخاص في طريقة استكشاف ما يحتاجون إليه من عمالة من المواطنين أولاً، ومنحهم الفرصة كاملة، مع دعمهم ليكتسبوا الخبرة، ويستفيدوا جيدًا من دعم الدولة عبر البرامج والتشريعات التي تقوم بها وزارة العمل وصندوق هدف.