عبدالوهاب الفايز
وأنت تقف في الطابور الطويل لزيارة أحد الأماكن التاريخية القديمة جداً، وترى المئات من البشر، من كل الجنسيات، ينتظرون دورهم، يرد إليك هذا السؤال: ما هي الحكمة والعبرة التي سيخرج بها هؤلاء من زيارة هذا المكان، بعد كل هذا الجهد والتكلفة؟.
هل سيتغير مجرى الأحداث في عالمنا بعد الإنفاق الضخم على ترميم الآثار والبحث عنها، وبناء آلاف المتاحف، ومع وجود مئات الجامعات التي تُدرس تاريخ الحضارة الإنسانية.. ورغم انفجار وسائل التواصل الاجتماعي التي تقدم الكثير من المحتوى عن التاريخ والآثار والحروب وتنقلها إلى الملايين من الفئات الاجتماعية الجديدة، يبقى السؤال: ماذا (تعلمت البشرية) من كل هذا الموروث الضخم الذي يتجمع لها عبر الآلاف السنين؟.
مع الأسف، رغم هذا السباق الضخم للاحتفاء في التجربة الإنسانية، وتسويق تاريخ وحضارات الشعوب بما فيه من صراعات وحروب ورَّثت المآسي والويلات لملايين البشر، ما زال عالمنا اليوم يشهد استمرار الحروب بكل أشكالها.. والآن دخلت علينا الحروب الاقتصادية.. وصندوق النقد الدولي حذر الأسبوع الماضي من خسارة سريعة للاقتصاد العالمي تصل إلى 460 مليار دولار بسبب (الحرب التجارية) بين أمريكا والصين!.
الحروب والنزاعات الدموية الرئيسيّة الجارية الآن تتجاوز العشرين نزاعاً، وهذه الحالة مستمرة رغم الاحتفاء بالتاريخ وتدريس العبر على مر السنين، ورغم أننا لسنا بعيدين عن نزاعات كبرى شواهدها ما زالت حية، مثل الحرب العالمية الثانية حيث تم تدمير جزء كبير من أوروبا، واليابان وألمانيا وجزء كبير من روسيا بتكلفة إجمالية للحرب قد يصعب حصرها، وربما تكون الأغلى في التاريخ الإنساني، وأمريكا وحدها خسرت ما يصل إلى أربعة تريليون دولار كنفقات جارية، هذا بخلاف الخسائر الإنسانية والمادية الضخمة التي ما زالت تعرضها الأفلام الوثائقية.
كذلك، وبإطلالة سريعة، الصين تاريخها الحديث يموج بالصراعات منذ الحرب الأهلية الصينية التي بدأت مع تمرد التايبينج بين عامي (1851-1864)، وكانت من أكبر الصراعات في آسيا راح ضحيتها 20 مليون شخص، وهذه الحرب توضع في قائمة الصراعات العسكرية العنيفة في التاريخ الإنساني.
حالة التعلم الجارية عن الماضي، لم تردع نزعات الشر والعدوان في الطبيعة البشرية، ولن تردعها، فمازال هناك من الأفراد والجماعات من يؤسسون للنزاعات والحروب.. ومنطقتنا منذ ثلاثين عاماً وهي تعاني من الحرب الطائفية البشعة التي أطلقها الخميني، وسوف يحفظها التاريخ ضمن معاناة البشرية مع الحروب والدمار.
أيضاً حالة التعلم من دروس الماضي لم توقف المعاناة، فعالمنا اليوم يزداد الفقراء فيه فقراًَ، والأثرياء يزدادون ثراء، والمهجرون من الحروب والكوارث وصلوا عشرات الملايين، والذين يموتون من الأمراض وسوء التغذية أيضاً أعدادهم بمئات الملايين، والأرض تواجه حاله تصحر، والكوارث الطبيعية بازدياد.
ربما من حكمة الله سبحانه استمرار هذه الحروب، للامتحان والاختبار، إنها سنّة التدافع، ومنذ قوم عاد بقيت حالة العبث والبطش، {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)}.
ورحم الله الإمام علي بن أبي طالب الذي قال: ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.