مهدي العبار العنزي
يُقال إن أول ما عرف ارتداء البشوت كان في أيام النبي عيسى عليه السلام، لقد كان يُلبس من قبل أهل الشام خاصة وساكني الأراضي المقدسة. والبشت جمعه بشوت، وهناك من يسميه مشلح، وهناك من يسميه عباية رجالية. والعرب منذ أقدم العصور يرتدون البشوت لأنها تميز من يلبسها بمميزات تختلف عن الآخرين، وإلى عهد قريب كان من يلبس البشوت الملوك والأمراء والعلماء وشيوخ القبائل، أما عامة الناس فهم يعتبرون أنها تمثّل الرمزية لهؤلاء الذين كتب الله لهم أن يكونوا مسؤولين عن الرعية يتحمّلون من أجلها المصاعب ليصلوا بها إلى بر الأمان بعيداً عن المنغصات!
ولهذا كان للبشت احترام لدى أبناء البادية الرحّل وتقدير وهيبة لأنهم يعتقدون، بل يؤكدون أن من يرتدي البشت هو من يكون لديه القدرة على حمايتهم وصون كرامتهم والدفاع عنهم ضد من اعتدي عليهم باعتباره رمزهم الذي يعتزون به ويطيعون أوامره في كل الأحوال وهو الوحيد الذي يحارب من أراد محاربته ويسالم من أراد السلم معه دون اعتراض من بقية أفراد القبيلة الذين يعاملهم كإخوة له بعيداً عن الغطرسة والتكبّر؛ يرفع من معنوياتهم ويرحم ضعيفهم ويعطي الفقراء وينصف المظلوم ويعتبر نفسه مسؤولاً أمام الله في حمايتهم ومساعدتهم وأخذ الحقوق لمن سلب حقه، من هنا يجمعون ويتفقون على أن لبس البشت مقصور على الشيوخ فقط دون سواهم.
وفي هذا العصر أصبح البشت في متناول الجميع وكل يرتديه في المناسبات وغير المناسبات، معتقدين أنه يمثّل الوجاهة ويمثّل المكانة وأصبحنا لا نفرّق بين الفقير والغني، ولهذا فقد البشت قيمته المعنوية التي كان عليها من قبل دون إدراك من يتسابقون لشراء البشوت بأن هناك ضريبة يجب دفعها وهي الأخلاق والشيم والنخوة والبذل والعطاء وإنكار الذات وإغاثة الملهوف وحماية المستجير وتقدير حقوق الجار وخدمة الدولة بطاعة ولاة الأمر وتلمس حاجات الناس ممن يحتاجون إلى المساعدة. وحتى لا يغضب علينا أصحاب البشوت نذكرهم بأننا في وطن المجد والعطاء وطن عنده كل مواطن يتمتع بالعدل والمساواة يلبس ما يحلو له من اللبس الذي لا يخالف عادات هذا الوطن وأهله وتقاليدهم العريقة وأعرافهم المستمدة من فضائل الإسلام.
وفي الختام رددوا معي:
يا أخوان نوره يا ذرانا على الضيم
يا قبلة المضيوم لاعمست آر ياه:
أقولها واثبت علي الملازيم
البشت لولا عدلكم ما لبسناه