د. محمد بن صالح الحربي
بعد السناريوهات والتي سبق وأن تحدثت عنها حيال التوتر في منطقة الخليج العربي وما صاحبها من استعدادات قصوى لصد النظام الإيراني عن تهديد وزعزعة استقرار المنطقة وأثره على التوازن الاقتصاد العالمي وخاصة فيما يخص عبور الطاقة من وإلى أهم منطقة إستراتيجية في العالم.
يبدو أن سياسة الضغط القصوى التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية عبر مساراتها (السياسية والاقتصادية والعسكرية) أخذت منحنى التركيز على أولويات متلازمة وضعتها للتعامل مع النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة....
فالمسار السياسي المستمر أثمر وحتى الآن بتحقيق نتائج إيجابية انعكس أثرها الداعم والقوي على المسار العسكري من حيث الاستعدادات الملحوظة في ناحية الجاهزية والتأهب...... والردع والقدرة على الإحباط...
الإدارة الأمريكية هي أول إدارة برئاسة ترمب بعد 6 إدارات تعي سياسة إيران (اللعب على الوقت والتسويف والمتناقضات) وأحبطت مساعيها للقيام بعمل انتهازي كما فعلت في (أزمة الرهائن الأمريكيين ) نوفمبر 1979 واحتجازهم لمدة 444 يوماً ومن ثم إطلاق سراحهم في نوفمبر 1981 قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الأمريكي رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي كلف الرئيس الرئيس جيمي كارتر خسارته المفاجئة في الانتخابات بالرغم من أن وزير خارجيته هو من وقع على اتفاقية الجزائر والتي بموجبها تم إطلاق سراح الرهائن الـ52.
أما المسار الاقتصادي، فيبدو أنه المسار الإستراتيجي المؤثر والفعال للولايات المتحدة لما له من أثر مستمر ملموس على النظام الإيراني ووكلائه وأذرعه لغاية الآن...
فقد وصل الاقتصادي الإيراني إلى مرحلة الركود، بأرقام غير مسبوقة متراجعة خلف الاقتصاد الفنزويلي والزيمبابوي، وهي الدولة التي وبالرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، ورابع احتياطي عالمي من النفط الخام، إلا أنه اقتصاد هش (هو من بين الأضعف عالمياً) مقارنة بعدد السكان؛ إذ وصل الانكماش إلى 60 % والتضخم 50 % والفقر وصل 60 %، (عدد السكان 81 مليوناً، المهاجرون 15 مليوناً.).
علاوة على ذلك, فالولايات المتحدة مستمرة وبقوة في تصديها للنظام الإيراني وعملياته في نقل الأموال وتبييضها والالتفاف على العقوبات وخاصة تصدير النفط والمراقبة المالية على البنوك وتفعيلها.. مع انخفاض الدعم السياسي من أغلب دول الاتحاد الأوروبي وخاصة بريطانيا وتصريحات رئيسة الوزراء الأخيرة ماي أثناء لقائها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في لندن.... وما تلاها من اجتماعات مع الرئيس الفرنسي هولاند والمستشارة الألمانية ميركل والذين أبدوا مواقف مؤيدة للرئيس الأمريكي وما اتخذه من عقوبات للحد من برامج الانتشار النووي وتطوير الصواريخ البالستية... فهو أشبه ما يكون بالحصار الإستراتيجي (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً) على إيران وأذرعها.... رغم أن النظام الإيراني لم يجد أيّ صدى إيجابي بتعليقه بعض تعهداته في الاتفاق النووي، مع تشديد الولايات المتحدة من عقوباتها على نظام طهران، الذي منح الدول الأوروبية مهلة 60 يوماً لتنفيذ التزاماتها الاقتصادية والتجارية بموجب الاتفاق. وبالرغم من ذلك فقد سبق وأن أعلن الاتحاد الأوروبي أنه مضطر لإعادة فرض عقوبات على طهران حال انتهكت إيران الاتفاق النووي.
مع حصر الخيارات الموجهة إلى النظام الإيراني فليس له إلا خيار الخضوع الالتزام بمراجعة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والحد من برنامج تطوير الصواريخ الإستراتيجية وفق الاشتراطات الـ 12 المحددة من قبل الولايات المتحدة, مع عدم التدخل في الشئون الداخلية لكافة دول الشرق الأوسط وزعزعة أمنها واستقرارها.... أو الانهيار.