تشهد بلادنا المترامية الأطراف -ولله الحمد والمنة- نهضة زراعية واسعة بشكل عام في جميع المحاصيل الزِّراعية المتعددة، وبهذا المعنى أنها جزء من أمن الوطن والمواطن، فالزِّراعة تُعَدُّ ركنًا من أركان المنزل، فهي تأخذ أبعادًا اقتصادية وافية للوطن، حيث إن الزِّراعة في بلادنا أصبحت تأخذ أسلوبًا علميًا دقيقًا مستوحى من إمكانات البيئة، فقد تعددت لدينا المشاريع الزِّراعية العملاقة وخاصَّة البيوت المحمية وبشكل واسع وكبير، حيث إنها تحتاج إلى مياه أقل بحكم انعدام التبخر منها، وأسلوب الري يجري بواسطة عملية التنقيط المستخدم حاليًا في المساحات الواسعة والقصيرة. ومن يمارس تلك المهنة الزِّراعية يجب عليه التقيد بهذه الطريقة الاقتصادية في ري المزروعات المختلفة، فالواجب على كل من يسلك هذا المجال أن يأصل التقاليد الزِّراعية بالشكل المطلوب حتى تكون وسيلة دخل مالي.
ومن خلال تلك المقدمة القصيرة عن الزراعة أحببت أن استضيف المهندس الزراعي الأستاذ/ عبدالرحمن بن فهد الجابر أن يسلط الضوء على تلك الموضوع المهم، فهو نموذج من أصحاب تلك الأعمال الزِّراعية الذين أسهموا في وقت قصير في الإبداع والتطوير وخاصة في مجال الزِّراعة، لا شك أن السّاحة لا تخلو من أصحاب القدرات على المستوى المحلي وخصوصًا في السّنوات الأخيرة مع ما يمكن توقعه في زيادة هؤلاء في الفترات القادمة نتيجة إقبال الشَّباب على الأعمال الزِّراعية والاهتمام بها، حيث إن [أبو فهد] يملك معلومات عن مقوِّمات الزِّراعة بطريقة وافيه، وتحدثنا معه عن الموضوع واسترسل حديثه الشيق عن معركة التنمية الزِّراعية قائلًا: فإن بناء الإنسان في هذه الحياة هو الهدف الأسمى لأنه هو القاعدة وهو الذي يصنع الحضارة والسلوك ويصنع الموارد نفسها، فالمزارع الذي يقوم بدوره على أكمل صورة وأحسن حال فإنه يُؤمن (الأمن الغذائي) ويصبح مربوطًا به، فالمرء المتعلم والمتدرب الذي يملؤه الحماس والعزيمة والإصرار نحو مجال الزِّراعة بشتَّى أنواعها وأصنافها.. فهذا الإنسان هو الذي سيقوم بهذا الدور تحت الظروف المتاحة له بعد تمكنه من الإلمام الدقيق بالزراعة وبالتقنية الزراعية الحديثة التي تساعده على شق طريقه في هذا المجال، فالمزارع الأوروبي العادي يملك أهدافًا وغايات في عمله الزراعي ويختلف عن المزارع العربي بحكم استخدامه للتقنية الحديثة بشكل جيد وبطرق مدروسة مما يجعله مكملاً للنهضة الزِّراعية الشاملة في بلاده إلى جانب أنه مرتبط بالزراعة ارتباطًا وثيقًا لأنه يستمد موارده من تلك المجال، ولم تكن الزراعة عنده في يوم من الأيام مصدر رزقه فقط بل كانت رمزًا للخصب والعطاء المتواصل مما جعل أبناء خليجنا العربي على وجه الخصوص يهتمون بالزِّراعة اهتمامًا كبيرًا حتى طبعت حياتهم بالسّماحة ولين الجانب وأوجدت لديهم جوًا أسريًا ساعد على ذلك زيادة روح التعاون والتآلف بينهم على اختلاف أقطارهم. لقد ائتلف البحر والصّحراء على تهذيب النفوس مما ساعد على غرس أبجديات القيِّم والسّماحة ولين العريكة والفهم العميق للحياة وللظروف التي تعيشها تلك البلدان في ذلك الحقبة الزمنية، فقد ظلت تلك القيِّم الأخلاقية الإسلاميَّة راسخة منذ عقود في نفوس أبناء الخليج العربي وبقيت الزِّراعة والثروة البحرية علامات بارزة في جميع ألوان النّشاط الاقتصادي، كما بقيت كلمات التعاون واتآلف والتآزر والمحبة تتردد إلى الألسن حتى عصرنا الحالي، ولم يكن هذا التحول قد حدث فجأة بل بدأ مع تباشير الازدهار والانفتاح على معطيات العصر إلى جانب استمرار أنظمة الحكم في تلك الأقطار الخليجية خاصَّة وترسيخ الوحدة الوطنية بين أبناء تلك البلدان، وكل هذه الظواهر أدت فيما بعد إلى المشاركة الإيجابية.. في صنع خطط التنمية بشكل خاص مع ترسيخ الشعور بالانتماء الوطني وإذكاء جذوه الإيمان في النفوس التي أبت إلا أن تشارك في صنع حضارة إنسان هذا العصر، وعندما تصنع ثقافة زراعية تؤدي إلى حالة من الاستقرار الدائم التي تحدد قدرة الناس على احترام بعضهم بعضًا مع الاتفاق على المبادئ العليا للوطن.