عبده الأسمري
الفرح.. هو المفردة التي تبهج الأرواح وتنعش الأنفس في كل شؤونها سواء قيلت ككلمة أو سيقت في إطار وصف أو سبكت في منحنى عبارة أو سطرت في معنى رسالة.. أما إذا كانت «ردة فعل» أو «حظ مقسوم» أو «قدر محقق» فهي «احتفال» عمر و»محفل» حياة..
سؤالي.. هل تغير رداء الفرح الذي نلبسه بين الأزمنة؟.. وهل تبدل حال «بهجته» عبر السنين؟ وماذا الذي طرأ على هذا «الشعور» الإنساني الذي يعد «أمنية الكل» و»مبتغى الجميع».
عدت بشريط الذاكرة واستعدت حلقات الاستذكار في سنين مضت.. تذكرت تلك البيوت المبنية من الصخر في القرى وهي تستكين لسكون ليل مفعم بالسكينة تتسامى فيه رائحة الأرض المعتقة بالماء والطين لا يقطع هدؤوه سوى «سوالف ليل» مشتركة تسمع من مكان قريب فالكل أسرة واحدة تحت لواء ألفة متعمقة..
كان للمطر قصص من البهجة فما أن يتعالى صوت الرعد وأضواء البرق حتى يتشارك الجميع في هذا المحفل القروي بدءًا من إطلاق «صيحات» ترحيبية مرورًا بمعايشة السكينة والتزام التروحن مع الغيث وانتهاء بتبادل التهاني بين الجميع وكأنهم ينفذون خطة فنية بدقة بالغة.
حينها كان الآباء والأجداد يتفنون في توجيه السيول قبل وأثناء المطر خارج قطعهم الزراعية حفاظًا عليها من الغرق أو التدمير رغم أنهم لا يحملون شهادات في الهندسة أو خبرات في أمانات المدن ولكنهم يختصرون حيلتهم وأدواتهم في توكل رباني وفرح خاص وفأس صغير وعصا خشبية واليوم قد تغرق مدينة بأكملها في رشة مطر عابرة رغم وجود خطط الطوارئ وفرق الميدان وأجهزة غرف العمليات ومئات الخبراء والمهندسين.. في حين أن مزارعًا واحدًا كان يحمي مسطحات كبيرة من سيول حاضرة ومنقولة تتجه بكل ثقلها وحمولتها عبر منفذ حتمي واحد.
تذكرت تلك الشهادة الموشحة بالامتياز من المدارس في آخر يوم دراسي التي كانت بمنزلة «تتويج» خاص وفرح مختص واستذكرت تلك الولائم التي كانت تجهز في مواسم «التفوق» التي كانت عادة للبهجة واعتياد للابتهاج في كل المنازل.. لم تكن مواسم للفرح فقط ولكنها كانت «مراسم « للألفة والتالف والفرح الموزع ببذخ في كل اتجاهات المكان والزمان.. أما اليوم فقد غادر الفرح مرابع المدن والمنازل فالكل ناجح والجميع متفوق في قالب روتيني غيب التنافس فألغى الفرحة وصادر المهجة، أما المناسبات فباتت «جاتوهات مستوردة» و»حفلات مخجلة» وسط غياب «البطل الشعوري» وهو «الفرح» عن تلك الوجوه ووسط تلك المواقف. بسبب مراسم «بهرجة» أسرية و»اعتزاز» عائلي وجهًا بوصلة الفرح إلى «إغاظة» الآخرين أو «تصفية حسابات ذاتية»..
كثيرة هي مواعيد ومواسم وأقدار الفرح في «قالبها» الفطري و»كيانها « الإنساني إلا أن البشر هم من نثروا نقاطًا سوداء من التخلف على مساحات «السعادة» البيضاء بأمر الأنانية وسلطنة الذاتية.
هنالك اتجاه بيولوجي وسيكولوجي وسوسيولوجي يتعلق بثقافة الفرح.. بيننا معادون للفرح.. مضادون للابتسام.. محاربون للابتهاج.. يعلو وجوههم «التجهم» ويسود سلوكهم «التهجم».. يجب الحذر منهم والبعد عن محيط وجودهم. لأنهم بكل البراهين «أعداء السعادة» و»حلفاء التشاؤم» وأنصار الكابه «حتى نعيد «الفرح» إلى الأماكن والأزمنة وكي ننتصر له في دروب حياة تستوجب حضوره وتتوجب هيمنته للنهوض بالهمم والسير بالدوافع إلى منصات «الاطمئنان» ومسارات «الارتياح».. وحتى تكون «الحياة» محطة «مثلى» للتعامل والتعايش وتجاوز الظروف واجتياز المحن..
الفرح هو «الأكسير» الذي يقضي على كل «أورام» الاكتئاب والنكد والهم والغم والحزن وهو «الجرعة» المثالية التي تبدد «غموم» المشكلات وتبيد «هموم» المنغصات.. وكي نجده علينا أن نجيد «صناعته» وان نجوّد «تصنيعه» بدءًا من استشعار النعم المغيبة مرورًا بتشرب التفاؤل المطلق وانتهاء باستحضار اليقين المؤكد أن في «الغيب» أفراح مؤجلة وغيبيات «سارّة» ومؤجلات مفرحة تخضع لترتيب «الهي» يختار للإنسان «الخيرة الصحيحة» تحت مظلة الحكمة الربانية.