رجاء العتيبي
قدمت أمانة منطقة الرياض تجربة مسرحية فريدة بعنوان (نرسيس), ضمن احتفالاتها بعيد الفطر المبارك لهذا العام (موسم العيد) على مسرح مدارس دار العلوم بحي الفلاح. تجربة تعطي لمعايير المسرح أولوية خاصة, مثل: لغة الجسد, السينوغرافيا, التكوين, اللغة المكثفة, النص الفلسفي.. وتهدف من خلالها إلى تعريف الحضور بنوع آخر من المسرح الموصوف بالمسرح (النخبوي)، أو المسرح (الجاد)، أو المسرح الذي يلتزم بالشروط الفنية بعيدًا عن التهريج والسماجات والنكت التي تسخر ـ عادة ـ من خِلقة الإنسان, أو الموضوعات السطحية.
والهدف أن تخرج العائلة السعودية في نهاية العرض وأفرادها يحملون في أذهانهم تجربة مسرحية جديدة، تمثل لهم إضافة في عالم المسرح, وأن الخشبة تستوعب كل أشكال المسرح، وليس شكلاً واحدًا. المسرح ليس المسرح الساخر أو الاجتماعي فقط, وإنما هناك مسارح متنوعة لا حصر لها.
الأمانة قدمت لسنوات طويلة مسرحيات نسائية اجتماعية كوميدية, وفي هذا العام ارتأت أن تدخل العائلة السعودية عالمًا مسرحيًّا مختلفًا, ربما لأول مرة يشاهدونه؛ فكل منا له ذوقه, يفضل هذا على ذاك، ولكن الأهم معرفة أن هذا النوع من المسرح موجود في كل العالم, ولم يمنع الأمانة هذا العيد أن تستثني من فعالياتها الترفيهية الكثيرة التي تتناسب مع فرحة العيد هذا العرض؛ ليكون العرض الذي يتطلب جهدًا فكريًّا لفهمه, يتجاوز مجرد ضحكة وكفى.
وحظيت مسرحية (نرسيس) التي حضرها جمهور كبير بردود فعل إيجابية من قِبل العائلة السعودية, مؤكدين أنها تجربة جديدة، لأول مرة يشاهدونها, مشيرين إلى أهمية ضرورة تنوُّع المسرح. ومن جهة أخرى رأى القليل من الحضور أن المسرحية تحتاج إلى تركيز كبير لفهمها؛ فكل حركة وقول وفعل لها معنى, ملمحين إلى أن هذا النوع من المسرح يحتاج إلى استعداد ومعرفة مسبقة لحضوره.
وتتناول المسرحية الأسطورة اليونانية (نرسيس) الذي اشتهر بجماله الطاغي؛ إذ ترفع على كل مَن حوله، وأصابه الغرور، وعندما رأى انعكاس وجهه على نبع الماء فُتن بنفسه.. وراح يحدق بها إلى أن مات, ونبتت فوق جثته زهرة النرجس؛ لهذا تأتي مقولة المسرحية لتؤكد أن النرجسية ليست الذات المتعالية في (موت نرسيس)؛ إنها الثقة بالنفس والثقة بمن حولنا.. وعندما تفقد البشرية ثقتها بنفسها تفقد شرط الإنسانية. وإذا جعلنا من حب النفس خطيئة نخسر أنفسنا؛ فمن حق الفرد في العائلة أن يحب نفسه بصورة متوازنة, وأن يثق بنفسه. حب النفس يمنح الآخرين الثقة إذا كان حبًّا متوازنًا.
استطاع المخرج البحريني/ خالد الرويعي أن يسير بالمسرحية إلى بر الأمان رغم أن بعض الجمهور ما زال غير قادر على تلقي مثل هذه الأعمال الفنية, ولكن الأمر يهون في ظل ترسيخ هذا النوع من المسرح في أذهان الحضور, ليس بديلاً عن غيره، ولكن إضافة لما لدى الجمهور, فما الذي يمنع من أن تشاهد العائلة السعودية عرضًا مسرحيًّا بصريًّا جماليًّا، يعتمد على الفرجة وأعمال الذهن بدلاً من التهريج؟