د. حسن بن فهد الهويمل
[وسائل التواصل] المتعددة، والمبهرة كشفت عن علوم غزيرة, متنوعة، وفقه قليل، وفهم متسطحٍ، وأهواء هوجاء متبعة، وشهوات غالبة، وشبهات مربكة. ودَهْماءَ مجتالة، مرتابة، سماعة للمراء الظاهر، والباطن، مَيَّالة إلى شواذ الأقوال، وضعيف الأحكام.
ومما يزيد الارتباك، ويثير كوامن الشك، ويعمق الخلاف تعلق بعض المتعالمين بشواذ المسائل، وتتبع اختلافات العلماء في مسائل الفروع، وسعيهم الدؤوب وراء الشهرة الزائفة، على حساب الوحدة الفكرية للأمة.
لقد تَعَقبتُ هذا الصنف من الناس، فوجدتهم حريصين على تصيد مسائل الخلاف، وإشاعتها بين العامة، وكأن [علماء الأمة] يجهلونها. ووجدت أنهم يجهلون قواعد العلوم الشرعية: - التفسير، والحديث، والفقه، ولا يعرفون من الأصول شيئاً، ولا يدركون [علم المقاصد] الإسلامية.
وهذه الفئة يشملهم وصف [الرويبضة]، و[المتفيهقة] وقد حذر منهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، ووصف زمنهم بـ [الحثالة]، و[الغثائية]، و[ذهاب الهيبة].
[الدول الإسلامية]، و[المملكة العربية السعودية] على وجه الخصوص تتخذ العلماء المؤصلين، المجتهدين، الميسرين على العامة أمور دينهم، وتسند إليهم أمر الوعظ ، والإفتاء، وتَلَقِّي النوازل، ودرء المفاسد، وجلب المصالح، وإشاعة التسامح.
ثم ينبري مثقفون، لا علماء. ومتفيهقون، لا فقهاء، ليقولوا في أمر العامة دون معرفة، ودون تجربة، الأمر الذي أحدث الفرقة، والعداوة، وشتت الشمل، وفرق الكلمة. وسفلة الإعلاميين لكي يقللوا من [أهمية العلماء] وصفوهم بـ [فقهاء السلطان]، بل تجرأ الإعلام السافل، ووصف [هيئة كبار العلماء] بهيئة كبار المنافقين، وهيئة كبار العملاء. وهذا إسفاف، وجرءة وقحة، لا يمكن احتمالها، ولا التسامح فيها.
والله سبحانه أثنى على سائر العلماء في علوم الدين، وعلوم الطبيعة بقوله: - {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} والخشية تمنع من النفاق، والتزلف، والارتزاق، والعمالة.
وسقوط سمعة العلماء سقوط للدين، والأخلاق. وحسن الظن بهم مطلب إسلامي، لأنهم حملة الدين، وورثة الأنبياء. وإذا شذَّت طائفة منهم، فهذه وقوعات عارضة، لا يجوز تعميمها، ولا أخذها ذريعة لإسقاط قيمة العلم، وحملته.
هذه الفئات المسكونة بالشهوات، والشبهات، والأهواء تُصَدِّع لحمة الأمة، وتزرع العداوة، والبغضاء بين الفرقاء المُصْطَلِحين، والمتعايشين.
لقد تكالب المتعالمون، والمتعلمنون، وإعلاميو قنوات الضرار على الإفساد، وسكوا مصطلح [الكهنوتية] لكي يَحُولُوا بين الأمة، وعلمائها، فالرجوع إلى أهل الذكر عندهم كهنوتية، وذلك من المفتريات المصنوعة بدهاء، وخبث.
صحيح أنه لا [كهنوتية] في الإسلام. فالكهنوتية في النصرانية لها خصوصية، ومسؤولية تختلف عن مسؤولية علماء الإسلام الذين ندب الذكر الحكيم إلى سؤالهم بشرط ألا يكون السائل من أهل العلم: - {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
العامي لا يسعه إلا الاتِّباع، والتقليد، وسؤال العلماء الموثوق بهم. والعالم المعدود من المجتهدين لا يسعه إلا الرجوع إلى [الكتاب، والسنة] والأخذ منهما، لا من فقهاء الأمة. المواقع، وقنوات الضرار يتهافت عليها العلماء الملتاثون، والمتعالمون المندفعون، والجهلة المجازفون، والمتفيهقون المتنطِّعون، والمفسدون، وأصحاب الملل، والنحل المتعصبون.
وأصحاب الأهواء المغرضون يضخون الكذب، والتشكيك، وشواذ المسائل، ويهولون الاختلاف، ويحدثون الناس بما لا يعقلون.
والسماعون لهم تهتز ثقتهم بثوابت الدين، وبمسلمات الأمة. لقد كشف المبطلون، والجاهلون، والكاذبون عن نواياهم الفاسدة، وأهدافهم السيئة بالنيل من العلماء، والاستخفاف بهم، والتحذير من الأخذ عنهم.
وفصل الأمة عن علمائها، وموروثاتها تفريغٌ متعمد، وتهيئة لملء الأوعية بالتغريب، والتبعية المذلة.
الحكومات الإسلامية الناصحة لشعوبها تجل العلماء، وتحترمهم ، وتكل إليهم مهمات الوعظ، والتعليم، والإفتاء. ولا تدع الأمور فوضى إذ:
(لا يَصْلُح الناسُ فَوْضَى لا سْرَاةَ لَهُم).
وواجب العلماء غير المكلفين تفويض أمر الإفتاء المخالف للسائد للعلماء الذين اختارتهم الدولة، ووثقت بهم. ومن دونهم من العلماء عليهم السمع، والطاعة، والتسليم لمن وقع اختيار الدولة عليهم.
وواجب العقلاء من العلماء الذين لم يكلفوا حمد الله على نعمة السلامة من المسؤولية الجسيمة، وعليهم أن يفرغوا للعبادة، والتعلم، والتعليم، والتأليف، وتقريب العلم لمن حولهم من الطلبة، وإفتاء السائل بما عليه علماء الأمة المعتمدون. فأي نعمة تعدل الفراغ من المسؤولية.
ومن حُمِّل المسؤولية بهذه المواقع عليه النصح لله، ولرسوله، ولأولى الأمر لا يقول إلا ما يعلم، ويعتقد، وعليه الحذر من تفريق كلمة الأمة بإشاعة شواذ المسائل.
الكلمة أمانة، ومسؤولية: - {ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} ولأهميتها ضرب الله لها مثلًا بالشجرة الطيبة، والخبيثة، وندب المتكلمين إلى قول الحسن للمسلم، ولغير المسلم : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ولم يقل : وقولوا للمسلمين حسنًا. ولا يصعد إليه إلا طيب الكلام: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} الكلمة يقولها الإنسان في سخط الله، لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفًا في النار.
وكل من تعمد تفريق كلمة الأمة بشواذ المسائل، فهو قائل في سخط الله. وجمع الكلمة من أجَلّ الأعمال، وعلى العاقل أن يقول الخير، أو ليصمت على الأقل.