أحمد المغلوث
كان الأصدقاء يتبادلون أطراف الحديث، ويشاهدون الأخبار. فجأة موجة حر شديدة تكتسح مدينتهم، ومن بينها المنطقة التي توجد فيها استراحتهم المستأجرة في داخل أحد البساتين. وكانت الحرارة خارج الاستراحة في ازدياد بالرغم من وجودها بين غابات النخيل التي اشتُهرت بها المنطقة، وأصوات العصافير والبلابل الممتزجة بصوت سعف النخيل. وكانوا يمنون أنفسهم بغداء دسم، دعاهم إليه صديقهم وزميل دراستهم «أبو عبدالله». فوجودهم خلال أيام العيد هنا في الأحساء كان لرغبة مشتركة: الهروب من غابات الأسمنت إلى غابات النخيل وأحضان البساتين في هذه الأيام الحارة جدًّا، وفرصة عظيمة للقاء بعد تواصل وتنسيق مسبقَين بهدف تجديد العلاقات، والحديث عن المستجدات التي طرأت لدى كل واحد منهم. نعم، إنها فرصة لا تعوَّض أن يجتمعوا بعد شهور من الغياب والانشغال في أعمالهم، خاصة أن أكثرهم باتوا يعملون خارج مدنهم؛ وبالتالي أعمالهم وارتباطاتهم لا تتيح لهم مثل هذه الفرصة إلا في المناسبات، وعلى الأخص خلال عطلة العيد. كانت صور الدراسة تمرُّ في مخيلتهم بسرعة.. فمن يصدق أنهم كانوا قبل سنوات عدة طلابًا في جامعات مختلفة في الداخل والخارج. لقد داهمتهم موجة الحر الشديدة؛ فجعلتهم ينشغلون عن استرجاع ذكريات الدراسة، بل حتى متابعة القنوات الفضائية التي باتت أكثر من الهم على القلب؛ فشغلتهم رسائل هواتفهم الذكية، ورسائل الواتساب، وتغريدات تويتر، وحتى الانستغرام.. وجميعها تحمل أخبارًا متنوعة عن الأحداث، وارتفاع درجات الحرارة الذي ألجأهم وغيرهم إلى الجلوس داخل منازلهم أو في الأماكن التي يوجدون فيها، بل إنهم حمدوا الله كثيرًا أنهم لم يأخذوا برأي أحدهم في أن يكون الغداء في الشرفة الواسعة المطلة على بركة السباحة. وعندما صوتوا لهذا الاقتراح لم يحظَ بالنجاح؛ فنسبة كبيرة منهم فضلوا أن يكون اجتماعهم داخل قاعة الاستراحة حيث أجواء التكييف المنعشة، ومشاهدة الأخبار في التلفزيون هذه الأيام محفزة على الوجود أمامه؛ فالاستفزازات الإيرانية الخبيثة على وطنهم الحبيب عامل مهم لمتابعة كل جديد بعدما وصلت حاملات الطائرات الأمريكية للخليج، وتضاعف الضغط الأمريكي على نظام الملالي. وكان صاحبهم المضيف قد أوصى أحد المطاعم بإعداد أطباق منوعة، اشتُهرت بها منطقته نزولاً عند رغبة أصحابه.. وما إن خفت حدة الحر، وتناولوا الطعام الذي كان شهيًّا كما عبَّروا عن ذلك، وبعد أدائهم صلاةلعصر جماعة، حتى اقترح عليهم أكبرهم سنًّا أن يخرجوا من داخل الاستراحة، ويحملوا قهوتهم وتمرهم إلى الشرفة بجانب «البركة». لقد حلموا جميعًا بهذه الساعات التي جمعتهم، وسعوا جهدهم لتحقيق ذلك، وها هم يشربون القهوة، ويتناولون التمر.
عندها راح مضيفهم يبتسم وهو يشاهد نواة تمر رماها صاحبهم أبو سعد في «البركة» بعدما لفظها من فمه بقوة صاروخية، فقال له: لقد ذكرتني بما كتبه الأديب الكبير «توفيق الحكيم» عندما كان طالبًا في باريس، وكيف لفظ من فمه «نواة» التمر ووقعت في الماء. جاء ذلك في كتابه «عصفور من الشرق»، وها أنت ترمي نواة التمر في ماء البركة والتمر كله خير وبركة.. ولو أنك رميتها بجانب الثبر لكان أفضل؛ فيومًا ما ربما تصبح نخلة..؟!