سعود عبدالعزيز الجنيدل
إن التقارض بين اللغات من الظواهر اللغوية المعروفة التي تعم جميع اللغات، فلا تكاد تجد لغة لم تؤثر أو تتأثر بلغة أخرى، فاللغات تأخذ من جاراتها، وتتصل بها لمختلف الأغراض؛ كالتجارة، والسياسة، والسياحة، فتستعمل منها - أي اللغة الأخرى - ما تحتاج إليه من كلمات، وتغيرها لتوافق نظامَها الصوتي، وبناءها الصرفي، وقد تغيّر في معناها.
والتقارض من عوامل تثرية اللغة في مفرداتها، ومن ثم قيل : إن نقاء اللغة لدليل على فقرها» A pure language is a poor language»، لم تشذ اللغة العربية عن مثيلاتها، فأخذت وأعطت؛ غير أنها زهدت في الأخذ وأجزلت في العطاء، وقد تعرضت في مقال سابق لجزئية من بعض الإشكاليات الكثيرة التي تواجه اللغة الإعلامية مع المصطلحات الأجنبية، ولا أنوي تكرراها هنا، إلا أني رصدت إشكالية أخرى، وهي ما سأسلط عليه الضوء، وأستخدم مشرط النقد في هذه المساحة اليسيرة.
من خلال قراءة بعض النصوص، استوقفتني بعض الملاحظات الأسلوبية، التي بدت لي أنها غريبة عن الأسلوب العربي، ولهذا سبرت غورها، ووصلت إلى نتائج تستحق - من وجهة نظري طبعا - أن أشارك بها القراء.
في البدء سأضرب عدة أمثلة على الملاحظات الأسلوبية التي تم رصدها:
* «أثر على العلاقات بين الدول»
* «وافق تحت تأثير والده»
* «أقيمت مأدبة على شرف الضيف»
* نزل عند إرادة صديقه
وهذه التعابير السابقة في مجملها مولدة نقلت إلى العربية بالترجمة عن اللغتين الفرنسية والإنجليزية
Influer sur lui
It est sous l`influence
It is under the influence
En son honneur
On his honour
At his own request
والأفصح في الأمثلة السابقة أن يقال: أثر (في) العلاقات بين الدول - وافق (لأجل) والده أو (بسبب) والده - أقيمت مأدبة (لشرف) الضيف - نزل (على) إرادة صديقه...
وهذا التأثير واقع بسبب النصوص المترجمة، خصوصاً حينما يتقن الكاتب لغتين أو أكثر، عندها تتداخل هذه اللغات، وتطفو على السطح من خلال نصوصه المكتوبة، ومما رصدته أيضاً، أن ظرف المكان «تحت» كثيراً ما يستعمل في النصوص المترجمة، مثل :
موضوعك تحت الدراسة - النتيجة تحت البحث - المسألة تحت المداولة - القضية تحت الدرس - العمارة تحت الإنشاء - الجهاز تحت الصيانة... إلخ
والأقرب إلى روح العربية استعمال حرف الجر أو الفعل المضارع، فيقال :
موضوعك في الدراسة أو يدرس
والنتيجة في البحث أو تبحث... إلخ
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن هناك عدة مستويات من الكتابة، فهناك المستوى الفصيح، والمستوى الصحيح، فالملاحظات الأسلوبية السابقة قد تدخل ضمن «المستوى الصحيح»، كما يقول الدكتور أحمد مختار عمر، عن جملة (وافق تحت تأثير والده): «مرفوضة عند بعضهم لأنها لم ترد عن العرب، وإنما ذلك من أثر الترجمة.
الرأي والرتبة 1 - وافق لأجل والده (فصيحة)، 2 - وافق بسبب والده (فصيحة)، 3- وافق تحت تأثير والده (صحيحة).
وسبب ذلك كما يقول الدكتور أحمد مختار عمر : «ليس في التعبير المرفوض - وإن لم يرد نصه عن العرب - ما يخالف الصياغة العربية، وهو أشبه بالتنوع الأسلوبي الذي لا حظر عليه.
ولكن لا يساورني أدنى شك أن الكاتب أياً كان مجاله، فهو يتمنى أن تكون نصوصه وكتاباته ضمن «المستوى الفصيح» الذي يدل بلا شك على مهاراته في اللغة، وتمكنه من أدواتها.