عمر إبراهيم الرشيد
هل أطفالنا اليوم محرومون على الرغم من ملاعبهم الافتراضية وهم محكورون داخل بيوتهم ؟ وهل جيلنا وأطفال السنين الخوالي أوفر حظاً في صحتهم النفسية والبدنية والعقلية من أطفال اليوم؟.
لست مختصاً في التربية وإنما أكتب مجتهداً ورب أسرة، فأقول إن ما يجده أبناؤنا اليوم من آلاف الألعاب الرقمية، بما تحمله من ثقافات مصنّعيها ودول منشئها، فيها من الترفيه والإثارة، وفيها من المتعة والتواصل مع أقرانهم، وربما فيها من زيادة اشتغال أدمغتهم الغضة، إنما لا ننسى كذلك، أن فيها قلة حركة وكسلاً وترهلاً، وإجهاداً عصبياً وذهنياً، وسهراً وإشغالاً عن الصلاة والتواصل حتى مع أفراد الأسرة. نعم هي تحتوي على تحفيز ذهني وجهد عقلي له تأثير على تنمية مهارات الطفل الفكرية، أقول هذا حتى لا أكون عاطفياً في طرحي مجانباً للعقل، إنما لكل شيء ضوابط وحدود إذا سقطت انقلب الشيء إلى ضده.
حين أقول إن أطفالنا اليوم محرومون فلأنهم كذلك فقدوا التواصل الفعلي مع أقرانهم من أبناء الجيران والحي، فقدوا التعرض للهواء خارج المنزل، لأشعة الشمس والتراب، وتعرفون أهمية هذه العناصر للصحة البدنية والنفسية.
وكنت قد كتبت من قبل هنا مراراً عن تأثير تخطيط الأحياء الحالي اجتماعياً وأمنياً، وأن الأحياء القديمة كانت على بساطتها إلا أن أجدادنا راعوا في تشييدها النواحي الاجتماعية والبيئية كذلك، والأحياء القديمة القائمة تشهد بذلك. الأحياء شبه المقفلة ذات المدخل والمخرج الواحد باتت ضرورة لإعادة الروح الاجتماعية للأحياء، ومنها تمكن الصغار من التواصل في أزقتهم الهادئة الآمنة بدل الشوارع الحالية التي تقطع أواصر المنازل وساكنيها، ولا ننسى مراكز الأحياء وأهميتها ودار العمدة كذلك في هذا الدفء الاجتماعي المنشود.
لقد كنا نخرج من بيوتنا إلى أزقة الحارة، نلعب بتلقائية ودون قيود تذكر، حفاة حاسري الرؤوس، ونعود وقد اتسخت ملابسنا ووجوهنا وقد لفحتنا الشمس، شعثاً غبراً إنما سعداء متلهفون إلى بيوتنا ودفئها ولمة الأسرة. لقد أعطت هذه الثورة التقنية صغارنا ما لم يخطر على ذهن آينشتاين، إنما ولشديد الأسف سلبتهم ليس براءتهم فحسب، وإنما هدوءهم النفسي وصحتهم الجسدية وسلامهم الذهني. وأزعم أن أطفالنا اليوم لو عرفوا متعة أقرانهم بالأمس لتمنوا حياة أطفال الشوارع..!