عبدالعزيز السماري
السعادة من الأشياء التي يشقى الناس للوصول إليها، لكنها في رحلة الشقاء أشبه بسراب واسع على ضفاف رمال الصحراء، فكلما تزيد سرعة المطاردة يهرب الإنسان أكثر عنها، والبشر في طبيعتهم وفي أحلامهم، يريدون شيئًا ما – للشعور ولو بسعادة مؤقتة، سواء كان اعتدالاً للطقس، أو وظيفة أفضل، أو منزلاً أكبر - ولكن بعد وقت قصير من الحصول عليها، تبدأ رحلة أخرى في البحث عن شيء آخر، بعد أن تصبح «طبيعية جديدة» وتسمى هذه الظاهرة «تكيف المتعة»، وهو مصطلح صاغه علماء النفس بريكمان وكامبل في السبعينيات من القرن الماضي لشرح ميلنا كبشر لمطاردة السعادة، أو للعودة إلى خط الأساس العاطفي الأصلي بعد الحصول على ما نريد، وأقرب وصف لها أننا نتحرك في حلقة مفرغة، ولكن لا نصل إلى أي مكان، على الرغم من بذل الجهد والطاقة.
في دراسة مثيرة للاهتمام من 1970م، درس الباحثون مستويات السعادة لمجموعتين مختلفتين من الناس: الفائزين في مسابقات اليانصيب وضحايا الحوادث، وكانت النتيجة المذهلة للدراسة أنه بمجرد أن تلاشت الغبطة الأولية للفوز باليانصيب وصدمة الحادث، عادت كلا المجموعتين إلى مستويات سعادتهما الأصلية، أي على المدى الطويل، لم يكن لهذه الأحداث الخارجية شديدة الاختلاف، أحدها إيجابي فيما يبدو والآخر سلبي، أي تأثير ملموس على السعادة.
يتطلب تحقيق السعادة الدائمة أن يستمتع الإنسان بالرحلة في طريقه نحو وجهة يعتبرها ذات قيمة، فالسعادة ليست حول الوصول إلى قمة الجبل، ولا هي تسلق الجبال بلا هدف؛ السعادة هي تجربة التسلق نحو القمة، ولهذا بعد الوصول إلى القمة تبدأ تلك المشاعر في التضاؤل، وبعد فترة تعود إلى مستوياتها الطبيعية في العقل.
بهذا المعنى، فإن الطموح والعمل الجاد وتحقيق الإنجاز بحد ذاته أمراً إيجابياً، ولو لم يرغب البشر في المزيد، سنظل نعيش في الكهوف، دون الوصول إلى الضروريات الإنسانية الأساسية الحديثة مثل الكهرباء والمياه النظيفة، ولا أعجوبة الإبداع البشري مثل الطب الحديث والفن والتكنولوجيا. لكن قد تظهر المشاكل عندما نسمح للسعي المستمر للنمو والاستحواذ إلى حجب سعينا لتحقيق السعادة، ويمكن أن يتعايش كلا الطموحين فالسعادة والعمل من أجل الوصول إلى هدف، ولكن فقط في حالة توازن، ولكن لا تجعل أحدهما يتجاوز الآخر، فالإصرار على الجهد بدون الشعور بالسعادة أحد أسباب البؤس، ولهذا على الإنسان أن يبحث عن الأعمال التي تولد فيه مشاعر الرضا والسرور أثناء أدائه لها.
أسوأ تلك الحالات، ذلك الذي يعتقد أن المال قد يشتري السعادة، ولعل ذلك أحد أكثر المفاهيم الخاطئة، فالمال قد يشتري السيارات والمنازل الفارهة، لكنه لا يجلب السعادة إذا فقدها الإنسان أثناء رحلة جمعه للأموال، ولهذا تجد بعض الأثرياء يخصصون نسبة عالية من ثرواتهم للتطوع في الأعمال الخيرية وللإسهام في تخفيف معاناة الآخرين.
نردد كثيراً مقولة المتنبي الشهيرة: ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله، وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم، وقد تبدو في الفهم للظاهر لها أن العقل هنا يعني ملكة التفكير، التي قد تكون في جانب سبباً للسعادة، وفي جانب آخر سبباً لشقاء وبؤس دائم، بينما يجدها ذلك العامل الذي يحب ممارسة مهنته في حياة الشقاء البدني، لكنه يجد الوقت الكافي للاحتفال بنشوة السعادة، فهل نتوقف عن مطاردتها بلا هدف؟؟