محمد آل الشيخ
كتبت مراراً أن بناء الفرد الواعي يأتي من حيث الأولوية قبل بناء النظم الديمقراطية، ليس في البلاد العربية فحسب، وإنما في كل دول العالم الثالث. ويؤكد ما أقول ما نراه على أرض الواقع من تجارب، فالأدوات الديمقراطية في يد الفرد غير الواعي وغير المدرك للمسؤولية الملقاة على عاتقه، سيحيل وطنه -ربما عن غير قصد- إلى دولة فوضوية لا تستقر اليوم إلا لتثور غداً،، بينما أن الديمقراطية لدى الشعوب الواعية والمتمدنة هي أيقونة الأمن والاستقرار، والحافز للتطور والنمو.
تجارب العرب من الخليج إلى المحيط مع الديمقراطية هي دائماً وبلا استثناء تجارب فاشلة، هذا إذا لم تنته أحياناً إلى حروب أهلية طاحنة. فهدف الشعوب اليوم، وبالذات في الدولة الوطنية المعاصرة، هي (التنمية الشاملة) ورفاهية الإنسان، وأمنه واستقراره، فإذا أخذنا من (التنمية) معياراً نستطيع به تمييز الدول الناجحة المؤهلة للبقاء من الدول الفاشلة غير المؤهلة للاستمرار، أو المتعثرة مدنياً، فلن نجد في جميع التجارب العربية دولة استطاعت بالآليات الديمقراطية وضعه على الطريق السوي والصحيح للتقدم، وحققت لإنسان هذه الدولة أو تلك قدراً معقولاً من التنمية انعكس على حياته.
وفي المقابل فإن الدول العربية، التي ليس لمفردة ديمقراطية أو انتخاب وجود في قواميسها السياسية، هي الدول التي حققت على صعيد التنمية فضلاً عن الأمن والاستقرار، ما جعلها فعلاً في مقدمة الركب. خذ مثلاً العراق التي تعتبر وإن بشكل نسبي أفضل الدول العربية احتكاماً لصندوق الانتخابات، فالأمريكيون عندما غزوا العراق، وأسقطوا صدام، كانت ذريعتهم تأسيس حكم ديمقراطي في العراق وقد انخدع كثيرون، وأنا واحد منهم للأسف بهذا الطرح، والآن وبعد مرور أكثر من خمسة عشر سنة على إسقاط صدام، استغل كثير من الانتهازيين غير الواعين (جهل) الفرد العراقي، وتحول العراق من دولة ذات هيبة ومنعة وسيادة، إلى دولة ضعيفة منهكة مفككة منزوعة السيادة، ينتخب فيه الأفراد مرشحهم على أساس طائفي، والطائفي هذا سيُسلم وطنه دون قيد أو شرط إلى الأجنبي المتماهي معه في الانتماء الطائفي، ولعل تحفظ الرئيس العراقي لما جاء في البيان الختامي لبيان قمة مكة، كان سببه خوفاً من غضب الإيرانيين وأتباعهم العراقيين في الداخل، وهذا التصرف الذي اتخذه الرئيس العراقي مضطراً يغنيك عن أية أمثلة تثبت صحة ما أقول، فضلاً عن أنه (تحفظ) يندى له الجبين.
ونحن هذه االأيام نعايش تجربتين، واحدة في السودان، والأخرى في الجزائر، يتظاهر فيهما المتظاهرون ليس طلباً (للتنمية والحداثة والتمدن)، وإنما للشعارات التي سمعناها، ورأينا بأعيننا نتائجها، إنهم يطالبون بالحرية والديمقراطية. ولا أكاد أشك لوهلة أن نهايتهما إذا ما قدر لهاتين التجربتين النجاح ستنتهي على أفضل تقدير لما انتهت إليه تونس، وعلى أسوء تقدير لما انتهت إليه سوريا وليبيا واليمن. فتونس -ودعك من شعارات المجعجعين- هي إذا ما قورنت بتجربة ابن علي غير الديمقراطية، فإن الأرقام التي لا تكذب تقول إن تجربة ابن علي تنموياً أفضل. وليس لدي أدنى شك أن المتأسلمين التونسيين -لا سمح الله- إن أطبقوا على مقاليد السلطة هناك ستكون تجربة تونس الديمقراطية تجربة كارثية، وهو أمر محتمل جداً، لأن (الفرد) التونسي مازال يؤمن أن الإسلام السياسي هو الحل، رغم فشل هذا الحل في كل البقاع التي تمت تجربته فيها، وأهمها تجربة جماعة الإخوان المسلمين الفاشلة في مصر.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة أن نجاح الحلول الديمقراطية تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى إنسان واعٍ، يعرف كيف يفرق بين المرشحين، فينتقي منهم القادر على العطاء والتنمية والتحضر، لا إلى رجل كل ما يميزه انتماؤه لتلك الطائفة أو تلك العشيرة، بينما هو أجهل من حمار أهله في مسائل التنمية والحداثة والتطور.
إلى اللقاء،،،