د. محمد عبدالله الخازم
وصلني (كتالوج) الإدارة التعليمية للدورات والمحاضرات التي ستقام في المدارس خلال فترة الصيف، تتراوح مدتها من ساعتين إلى أسبوع كامل، للأطفال والشباب والبالغين، في مواضيع عديدة، بعضها لا يخطر على بال القادم من عالمنا تقديمها بالمدارس. وقبلها كان هناك معرض بمركز التسوق عن البرامج الصيفية التي توفرها مختلف الجهات.
دورات ومعسكرات رياضية وترويحية، احترت في اختيار ما يناسبني منها رغم أنني لستُ طالبًا. دورة في الحاسب للعمليات الإحصائية، مدتها يومان، وفي التصوير، مدتها ست ساعات، وفي الطبخ الإيطالي لمدة ثلاث ساعات، وفي تنسيق الزهور، مدتها ساعتان، وفي العناية بالكلاب والقطط... إلخ. وأنا الكسلان قلت لعلني أسعد المعدة والعائلة بتعلم الطبخ، ولاسيما أن الدورة كلفتها لا تتجاوز كلفة وجبة عائلية في أحد المطاعم.
الفكرة هنا هي أن فصل الصيف ستكون فيه المدارس مليئة بالنشاط في فترات صباحية ومسائية، وسيكون بمقدور الطلاب وعوائلهم اختيار ما يثري خبراتهم ومهاراتهم. طبعًا البعض يستفيد من تلك الأنشطة لأجل المتعة والاستفادة العامة بتطوير الذات، والبعض لتنمية مهارات محددة، تخدمه في وظيفته، والبعض لتجربة مهام جديدة في حياته. الطلاب بالذات تهمهم تلك الدورات لتحسين سيرهم الذاتية؛ ليجدوا عملاً مؤقتًا مناسبًا، أو فرصة تطوعية مناسبة، أو للحصول على قبول أفضل في الجامعة، أو للحصول على منح دراسية.. إلخ. بل إن بعض تلك الدورات يمكن أن تحسب كمواد أو جزء من متطلبات الدراسة في المرحلة الثانوية مثلاً. بغض النظر عن الدوافع، فإن الشاهد هنا هو وجود بيئة ومحفزات للتعلُّم والتطور.. والأهم أن هناك جهات، كالجهات التعليمية، تيسِّر ذلك بشكل مناسب وسهل، كما تفعل مدارس المنطقة بتقديم كل هذه النشاطات بنخبة من مدارسها خلال فترة الصيف أو في المساء أثناء الدراسة.
كيف يمكن لمدارسنا وتعليمنا ومجتمعنا تقديم مثل ذلك وتقديره؟ لماذا تقفل أبواب مدارسنا في الصيف لمدة تزيد على ثلاثة أشهر وأولادنا وبناتنا ومعلمونا ومعلماتنا يعيشون في هذا الفراغ الكبير لفترة طويلة، تتجاوز ما هو موجود في أغلب الدول المتقدمة (طول العام الدراسي في المملكة يصنف ضمن الأقل عالميًّا)؟
نحتاج إلى عمل جاد من قِبل الجهات التعليمية، بتعزيز النشاطات التطوعية، وحسابها ضمن خططها الدراسية، وتعويد الطلاب على تنوُّع النشاطات الإضافية في حياتهم، سواء اللاصفية والمهنية والمجتمعية.. وغيرها. لدينا قاعدة كبيرة من المدارس والمعلمين والمعلمات وأولياء الأمور بمختلف المهارات والهوايات، لكننا دائمًا ننتظر التوجيه من هرم وزارة التعليم، ولا توجد آليات تعزز الإبداع المحلي والمبادرة على مستوى المدرسة والمنطقة والمدينة والحي؛ لذلك أطالب وزارة التعليم بتقدير الأنشطة والدورات والتطوع وخدمة المجتمع ضمن مناهجها، وأطالبها بتحفيز الإبداع المحلي، وليس فقط توجيهه وجعله نسخة موحدة من بعضه عبر توجيهاتها ورقابتها وأنظمتها غير المرنة. ربما لو فعلنا ذلك لوجدنا مدارسنا تبدع وتنافس في تقديم شيء مناسب لأبنائنا في هذه الإجازات الطويلة المملة، ولدعمنا جهود لجان التنمية الاجتماعية التي يبدو أن أنشطتها -وهي الجمعيات الخيرية- تتجاوز أنشطة الجهات التعليمية بكل إمكاناتها..
طبعًا، لا تسألوني هنا عن جامعاتنا؛ فهي تؤمن بأن الصمت حكمة!