د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تبدو لنا ثقافة الاحتفاء بالعيد بعد تمام فريضة الصوم طموحة، تترقّى وتُعقدُ لها ألوية الجذب؛ ويتبارى القائمون عليها لتعميق طقوس الفرح، وهندسة دروب استجلابه.. وما زال يوهن بعض فعالياتها تعدُّد المرجعيات، ووجود بعض الفجوات التنسيقية التي قد تُفضي إلى هشاشة المخرج الثقافي. وحيث حلّ عيد الفطر المبارك هذا العام بعد إعلان وزارة الثقافة استراتيجيتها التي ارتكزت في استشراف مستقبل نجاحاتها على تقسيم الفعل الثقافي إلى منصات تخصصية، وهي نظرة واعية قافزة حافزة، كان لا بد من حزام أمان، يضيء المسيرة الثقافية، وذلك بأن تعتمد وزارة الثقافة فلسفة عميقة للفعل الثقافي ودروب المثاقفة التي تغذيه، وأن تنطلق تلك الفلسفة من فلسفة الفعل الثقافي المتخصص؛ ومن ثم تنمو لتكوّن البناء الفلسفي الكبير. والمفهوم الفلسفي للثقافة ينطلق من الانعكاس الاجتماعي لكل منتج ثقافي في منظومة التواصل والمشاركة، ويدعمه انعكاس آخر لحضور ذلك المنتج في البيئات المحلية. ويجب ألا يتجاوز المفهوم الفلسفي رمزية التعبير عن الفعل الثقافي في كل بيئاتنا المحلية من خلال القيم والأنساق الاجتماعية في تطبيقها، وأن تكون ترقية الفعل الثقافي السعودي إلى العالمية من خلال المثاقفة بعد نضج الفعل الثقافي السعودي في مفهومه الفلسفي العام..
ويأتي الفعل الثقافي في العيد مرتكزًا على قيم إيمانية بصناعة الفرح ابتهاجًا بتمام ركن أصيل من أركان الإسلام، هو الصوم. وتبقى خضرة الذاكرة لنمتاح منها طقوسًا للاحتفاء بالعيد في بيئاتنا المحلية بما يعزز الفعل الثقافي؛ فنرسلها إشارات لوزارة الثقافة الوليدة؛ لتصنع مبادرة خاصة للفعل الثقافي في العيد، يتباهى أثيرها وتأثيرها، ويُعملُ بها كمهرجان سنوي، له منصة عليا، ومنصات تتفرع في مناطق بلادنا الشاسعة..
ويجب أن يكون الفعل الثقافي في أعيادنا مختلفًا، تشعل ومضاته خصوصية بلادنا الدينية، ومن ثم سعوديتنا الحديثة قوة وحضارة، وحضورنا العالمي، وبيارق انتصاراتنا، واندماجنا مع العالم في تشكيلات تنموية عديدة، أعادت صياغاتها العلامة السعودية الجديدة؛ فانسكبت الإيجابية بما يكفي لزراعة الصحارى بثقافة جديدة. وما زالت القيم المجتمعية العليا الضاربة في أعماق مجتمعاتنا السعودية تتكاثر في أزمنة العيد وترتاد أرجاءهُ؛ إذ تظهر في العيد اللغة السامية التي تركز على إيقاظ مقومات الخير في كل الأشياء، واستزراع المودة والتآخي وهيمنة المحبة على أطواق الناس وفضاءاتهم. ثم إن حزمًا من الإلهام في العيد، تطرّزُها المعايدة وعباراتها وطقوسها المجتمعية، تحِلُّ أيضًا؛ فما زال هناك كتاب محبة للرفقة الطيبة لبناء صروح أسرية للعيد، تبقى وتتبرعم وتنادي جيلاً بعد جيل لتوقيع عقود الشراكة مع الفرح، ولصياغة اتفاقيات الاستمرار والإيمان العميق بالهدف والنتيجة؛ فالعيد لا تكفيه قصائد المتنبي وتساؤلاته:
(عيد بأية حال عدتَ يا عيدُ!؟)..
إنما يلزمه مبادرات، وتخطيط رسمي، ونظام، وتنظيم، وصناعة لدوائر الثقافة، وتحديد قطرها وأوتارها، ومن ثم إشعال القناديل حولها بكل الصور المناسبة والتشكيلات الأنسب..
فالعيد أثر وتأثير، وصناعة الثقافة بمفهومها الشامل صناعة تجتمع في خواتيم أعمالنا؛ فتحتوي الأعياد في أعماقنا؛ لتسكن وتتمكن..
بوح الختام:
وما زال أشخاص هم الأعياد ذاتها، يورقون في الأعماق، ودَّعتهم الحياة الدنيا؛ فأصبح الكرسي منهم فارغًا؛ فكانت بهجة العيد في الذكريات عنهم وفي امتثال منهجهم وفعلهم الأثير..
وبين المتنبي وسعيد عقل يُحتَضَن العيدُ في وجدان الناس:
(عيد بأية حال عُدتَ يا عيدُ!؟)
(والعيد يملأ أضلعي عيدًا)