د. محمد عبدالله العوين
لم يكن والدي -رحمه الله - مرتاحاً للتصوير ولا راغباً فيه، وحين طلب منه أن يستخرج شهادة ميلاد ليقدّمها إلى جهة توظيف قالوا له: ترفق بها صورة!
وهنا وقع عليه إحراج كبير، فهو لا يريد أن يصور!
استنجد بالأمير التقي النبيل المتواضع محمد بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل آل سعود الملقب بالمطوّع -رحمه الله- وكان والدي يعمل مستشاراً عنده وإماماً للصلاة وخصوصا في رحلات الصيد الطويلة؛ فكتب خطاباً يطلب إعفاءه من الصورة التي توضع في شهادة الميلاد التي كانت بديلاً للبطاقة الشخصية، وكتب مدير فرع الجوازات والجنسية آنذاك بخط يده (معفى من الصورة)!
المشكلة ليست هنا!
أنا أريد أن أصوره، ولكنني لم أجد طريقة مناسبة، لا بد من مخاتلته لأخذ لقطة أو لقطات تبقيه في ذاكرتنا بعد عمر طويل، وكنت أحدث نفسي كيف وثّقت وجوه من حولي من أعمام وجيران ومعارف في حفلات زواج وزيارات أعياد ورحلات أنس وبهجة في البراري بين الأودية والشعاب في حالات ممتازة من اعتدال المزاج وارتياح الخواطر وبقيت صورهم في سجل العائلة المحفوظ عندي على حين لم أستطع أن ارتكب مغامرة صعبة لالتقاط صورة لوالدي!
عقدت العزم على أن أصطحب الكاميرا معي وأخبئها في درج السيارة وألف على بكرتها فيلماً جديداً وأطفئ الفلاش فلا حاجة له في عز الظهيرة في رحلة إلى البر مثلاً وهو - رحمه الله - من هواة الاستجمام في البر والقنص ومطاردة الأرانب ليلاً والحجل نهاراً، وبمخاتلة حذرة تم المطلوب في مناسبات ومواقف عدة دون أن يدري، أو لعله كان يدري في السنوات الأخيرة ويظهر لي أنه لا يدري من باب الرضا بالأمر الواقع!
وفي سياق الرضا بالأمر الواقع قال له أحد المسؤولين: لقد جاءنا تعميم بضرورة إرفاق صورة بشهادة الميلاد وأن أوامر الإعفاء القديمة ألغيت!
ووقع الأمر عليه كالصاعقة، وقال: أعتذر عن الوظيفة!
وبعد صلاة الظهر في أحد الأيام أمسك بيدي وزير الأمير واسمه عبد الرحمن بن جمعان -رحمه الله- وكان صديقاً للوالد وبينهما صحبة طويلة، وقال: خذ والدك واذهب به إلى أقرب استديو، الصورة لا بد منها، وقد رضخ ورضي بالأمر الواقع!
قلت: وأخيراً!
أقرب إستديو مقابل قصر الحكم وبين (جبرة) والصفاة خطوات، قلت للوالد: لقد ألحوا في طلب الصورة كما ذكر لي ابن جمعان، ما رأيك لو ذهبنا الآن؟!
قال: الشكوى لله يا ولدي!
بعد تلك اللقطة الرسمية في (إستديو الرياض الحديث) انكسر الحاجز وصرت أظهر الكاميرا معي في كل رحلاتنا واجتماعاتنا، والفضل لابن جمعان!
ومرة كنت أهم بتصوير الباحث محمد بن سعد الدبل وهو يناقش رسالة الماجستير في قاعة كلية الشريعة القديمة بشارع الوزير عام 1398هـ فحصل موقف صعب... يتبع