علي الخزيم
وقعت عيني صباح العيد بمجلس المعايدة على أحد الحضور لا أعرف عنه إلا أنه هادئ مسالم ظريف؛ لا يتدخل بشئون الغير، يبذل النصيحة بإخلاص حين تُطلب منه، رأيته بهدوئه يُسارِق النظر بين فينة وأخرى يجول ببصره بين الحضور، ولأني أعرف ما يملكه من الحكمة والصبر واحتمال الأذى حينما يُبتلى به؛ تخيَّلت ما يدور بهواجسه من حديث النفس للنفس، من تقييمه للحضور بتلك الساعة التي خُصِّصت سنوياً للابتسامات وإظهار لمعان الأسنان، والتشدق بأحلى عبارات الوداد بتبادل التهاني بالعيد، ثم الروغان إلى لقاء بمثل هذه الساعة من العام القادم لمن بقي على سجل الأحياء! وبحكم معرفتي بأفكاره تخيلته يقول:
هذا فلان المتسامح؛ ها هو يعمل ما يمليه عليه ضميره لدرجة أنه يجامل ذاك التمساح اللئيم بجانبه الذي لا يفتر عن الابتسام وحيناً يقهقه ضاحكاً له وهو لو استفرد به لأمعن باستغلاله واحتقار طيبته، وهذا فلان الذي أنعم الله عليه بشيء من الثروة وحب الخير ومساعدة المحتاج؛ لكن المؤسف أن من التصق به الآن هو ذاك الضبع الشرس الخوَّان، لكني أجزم أنه يعرف شيئاً من طباعه فلعله حذر منه رغم أن طيبته وكرمه يطغيان على كل مشاعره، ثم إن هذا الغادر لا يمكن أن يفرط بهذه الفرصة مع مشاعر العيد ولين القلوب بهذه الساعة، وهذا العم اللطيف الشفاف الذي لا يمكن أن يُفكر بسوء تجاه أحد قد جلس بجانبه الثعلب الماكر وابتسامته الكاذبة قد شكَّلت نصف دائرة بوجهه من الأذن للأذن؛ فما هي مكيدته الجديدة ليغدر بالعم الصالح الوقور؟! وذاك الثعبان السام الخطر قد أقبل ممسكاً بيد صنوه الحرباء المتلون الذي لا يقيم وزناً لعيد أو مأتم أو فرح لا يهمه إلاَّ ما يجنيه ثمرة لخداعه ومراوغته وامتهانه لكرامة كل من يقع بحبائله، فسبحان من خلق وفرق بين الناس وإليه الرجعى.
يقول الشاعر العذب إبراهيم حمدان؛ قائل:
وريحُ يوسفَ لا تأتي نسائِمُها
إلا لقلبٍ هواهُ كان يعقوبا)؛ قال:
(مَهْمَا تَمَادَوا وَمَهْمَا أشْغَلُوا بالي
فَقَد عَفَوتُ عَنِ المُغتابِ والقالي
وأُشهِدُ اللهَ أنّي قد غَفَرتُ لِمَن
أَسَاءَ لي وَتَخطّى سُوريَ العالي
{فَمَنْ عفا} فإلهُ العفْوِ يغمُرُهُ
بِعَفْوِهِ يومَ أهوالٍ وأحوالِ).
ويبعث بنفسك الأمل والسكينة وحسن الرجاء حينما تقرأ قوله:
(الحَمْدُ للهِ ربِّ النُّورِ والفلَقِ
ومُذهِبِ البَأْسِ والضَّرَّاءِ والقَلَقِ
ما بَيْنَ جَنْبَيَّ آياتٌ أُرَدِّدُها
تعلُوْ بصاحِبِها كالطَّيرِ في الأفُقِ
هبْ أنَّنيْ قد فَقَدْتُ الكونَ أكمَلَهُ
هل خَسِرْتُ وذِكرُ اللهِ في رَمَقِي)
للعيد معانٍ سامية شرعها ديننا الحنيف؛ وله مراسم تَعَاَرف عليها القوم؛ عقلها العقلاء والحكماء وأصحاب الضمائر الحية والأنفس العالية الكبيرة فعملوا بمقتضى حال العيد وما يعنيه من سمو الأخلاق وصلة الرحم والمحبة والتسامح، فاحذر أن تجد نفسك بين الضباع والتماسيح أيام العيد والأفراح للحفاظ على سعادتك وفرحك.