د.خالد بن عبد الكريم البكر
لبلاد الحرمين الشريفين -حماها الله- جذورٌ ضاربة في أعماق التاريخ، تستمد من عراقته هويتها، ومن رصيده الإيجابي كينونتها. فهي القلب من دار الإسلام، وهي قلعته الشامخة على تعاقب الزمان وتقلب أحواله.
تلك حقائق التاريخ عن هذه الأرض المباركة، وذلك حُكمه على من عاش فوق ظهرها وتنفّس هواءها وشرب ماءها، ماء العزة والافتخار. هي بسملة التاريخ الإسلامي، ومنها انطلقت الأحرف الأولى لصياغة معنى الأمة العربية الإسلامية، وبسواعد أبنائها تمت البدايات الأولى لبناء عالم الإسلام الفسيح. فأكرم به من مجدٍ تالد!.
ولقد اقتفى اللاحق أثر السابق في صيانة المجد وتعزيزه، وأبى إنسان الجزيرة العربية إلا أن يكون ذا مسؤولية تاريخية تجاه وطنه وأمته. تجلى ذلك في كيان «المملكة العربية السعودية» التي صارت عنواناً لمناصرة قضايا الحق والخير في كل مكان، فيرمقها البعيد بلحظ الاستعطاف، ويحمدها القريب بلفظ الشكر والاعتراف.
وحين دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيّده الله- إلى عقد القمتين: الخليجية والعربية في رحاب البيت الحرام وفي العشر الأواخر من رمضان، فإنما هو يبني -حفظه الله- بناءً نوعياً في صرح أمته العربية الإسلامية، ويُضيف إلى روايتها في النضال قصصاً مجيدة متجددة. فالاعتداءات الإيرانية المتكررة على مصالح الأمة العربية تستلزم يداً من الحق حاصدة.
والتخريب الذي يمارسه وكلاء النظام الإيراني في اليمن، أو في الخليج، أو في عواصم عربية متفرقة، قد آن له أن يدفع ثمن جرائمه.. أما التلبيس الفكري الذي يُنتجه وينتهجه الملالي ودوائرهم الثفاقية والإعلامية حول مفهوم الإسلام، فهو وإن كان بيتاً عنكبوتياً واهياً إلا أنه مع ذلك يستدعي جهود أرباب الأقلام وذوي الأفهام السليمة لمجابهته وفضحه وكشف عواره أمام الرأي العام الإسلامي. فغياب الكلمة الهادية السويّة، يُفسح المجال للكلمة الضالة السيئة.. تلك مسؤولية فكرية وواجب أخلاقي يستشعره المفكرون والمثقفون في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة. فلتكن لهم أيضاً كلمتهم في تجسيد آمال وتطلعات قادة الخليج والأمة العربية. ولطالما كانت « القوة الناعمة» ناصراً ومُعيناً لصانع القرار.
حكى لنا التاريخ أن (إيران الكسروية) كانت تلتذ بمرأى زعماء قبائل العرب وهم بين يدي كسرى في إيوانه، يستجدون نواله وينشدون جوائزه. تلكم هي الصورة النمطية لما ينبغي أن يكون عليه العربي في مخيلة الأكاسرة الفرس. فإذن الله بتكسير الأكاسرة بسواعد من جزيرة العرب.
وحكى لنا التاريخ أن (إيران الصفوية) قد صرفت كل عنايتها لطمس معالم الإسلام المنير وتزييف حقائقه والاستخفاف بمقدساته، فحمى الله جزيرة العرب من دنسها. ثم حكى لنا التاريخ أن (إيران الخمينية) -وهي في نُسخة مُعدّلة مُحدثة من سلسلة العداء للعرب والاعتداء على الإسلام- قد حدثتها نفسها أن تستعيد الحلم الإمبرطوري القديم، ورأت أن ذلك لا يكون إلا بانتهاك مقدسات الإسلام أولاً، ثم ضرب اقتصاديات الدول العربية الإسلامية، وتفكيك نسيجها الاجتماعي الواحد. فامتدت يدها لتحقيق الغاية الأولى فقُطعت يدها! وحين أدركت أن دون ذلك خرط القتاد، استأجرت المخربين واستعطفت المُغرّرين ليخوضوا عنها حرب بالوكالة ضد بلدانهم ومجتمعاتهم. ولن يُفلح الساحر حيث أتى.
ولسوف يحكي الحاضر والمستقبل لأجيالنا أن الملك سلمان -حفظه الله-، كان عاشقاً للتاريخ، قارئاً لفصوله، مُطّلعاً على تفاصيله، مدركاً لجذور الكراهية ضد العرب والمسلمين، مستشعراً لخطورتها. وأنه كان أيضاً صانعاً للتاريخ، يُقدم عندما يكون الإقدام ضرورة، وينتظر حين يكون الانتظار فضيلة.
** **
قسم التاريخ - جامعة الملك سعود