المدينة المنورة - خاص بـ«الجزيرة»:
طالبت دراسة علمية بتفعيل دور المؤسسات التعليمية في نشر الوعي تجاه الجريمة المنظمة بشكل عام وجرائم الاتجار بالأشخاص، لاسيما أن الاتجار بالأشخاص، وذلك بوضع موضوعات الجريمة المنظمة وجرائم الاتجار بالأشخاص في مناهجها ومناشطها لمعرفة الحسبة المعرفة للجريمة وإدراك آثارها وخطورة أبعادها.
وأكدت الدراسة المعنونة بـ«الحسبة على الاتجار بالأشخاص وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية» للباحث عادل بن عبدالله بن سليمان التويجري، والتي حصل بها على درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، أكدت أهمية القيام على التأصيل الشرعي والقانوني والإجرائي للمراحل كافة التي تمر بها جريمة الاتجار بالأشخاص؛ ابتداءً من الضبط الجنائي، ومروراً بمرحلة التحقيق، وانتهاءً بالقضاء المختص في هذه الجريمة، وأن كل مرحلة تؤثر على المرحلة التي تليها من حيث حسن الأداء والتعامل بمهنية واحترافية، وضع ذات التدريب والتأهيل للمختصين في التعامل مع مراحل هذه الجريمة.
وشددت الدراسة على العناية بالجانب الوقائي لمنع وقوع جرائم الاتجار بالأشخاص، لاسيما من مثل الجهات التي تختص في الحسبة على الاتجار بالأشخاص، والتأكيد على الجانب الوقائي في هذا المجال متنوع ومتشعب المجالات، وأن إهماله يؤدي بشكل مباشر إلى الوقوع في جرائم الاتجار بالأشخاص وانتشارها، والتأكيد على الجانب الوقائي وتقرير مبادئ الرقابة في جميع ما يتعلق في جرائم الاتجار بالأشخاص، حيث يجب أن تشمل الرقابة الجوانب كافة سواء كانت الرقابة على أداء المختصين في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص أو الجهات التي لها علاقة في جرائم الاتجار بالأشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر مثل الجهات الحكومية أو الهيئات والشخصيات الاعتبارية، مع ضرورة مراجعة وتقويم التنظيمات التي تتعلق في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص خاصة نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-40) وتاريخ 12-7-1430 هـ، ومعالجة ما إذا كان هناك قصور في النص النظامي بما يتوافق مع الجانب التطبيقي، خاصة مع وجود التداخل في بعض نص النظام مع الأنظمة الأخرى، والحاجة إلى تقرير المزيد من القواعد الإجرائية خاصة فيما يتعلق بجانب حماية المجني عليه ورعايته، بالإضافة إلى أن يتم مراجعة الأنظمة الأخرى المقترنة بهذه الجريمة بما يتوافق مع نظام مكافحتها، والتأكيد على الجهات الحكومية التي تختص بضبط المخالفات التي لها علاقة في وقوع جرائم الاتجار بالأشخاص كالمخالفات العمالية، والمخالفات التجارية، والمخالفات المالية، والمخالفات الإدارية، لأن الوقوع في بعض هذه المخالفات لا يقل ضرره عن الوقوع في جريمة الاتجار بالأشخاص، بل من الممكن أن يفوق ضرر الوقوع في المخالفة على الجريمة ذاتها، مع أهمية المشاركة المجتمعية في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص والحد منها لوجود قصور في هذا الجانب يتمثل في عدم معرفة المجتمع وهيئاته للمفهوم الحقيقي للاتجار بالأشخاص والقواعد الشرعية والتنظيمية الوطنية والدولية التي تحكمه، لاسيما أن هذه الجريمة من المملكة أن تقع وتنتشر في كل بيئة وفي كل مجتمع، وترتبط ارتباطاً مباشر بالأسرة ومكوناتها.
وكشفت الدراسة إلى أنه من خلال عرض للجهات الرسمية التي تختص في الحسبة على الاتجار بالأشخاص، يتضح عدم وجود إدارات تحمل مسمى مكافحة الاتجار بالأشخاص بما يتوافق مع مهام الجهة الحكومية في التعامل مع هذه الجريمة، وأن تضم لهذه الإدارات الكفاءات المختصة في أحكام هذه الجريمة وسبل مكافحتها، وأنه من المهم التأكيد على أن خصائص جرائم الاتجار بالأشخاص تؤثر وتنعكس على أحكام الحسبة عليها وهذا له أثر على المحتسب والمحتسب عليه والمحتسب فيه، بما يوافق مع الأداء في منع الجريمة والقضاء عليها والحد من انتشارها أو انتشار الأعمال التي تفضي إلى الوقوع فيها.
وتؤمل الدراسة في الدور التطوعي المؤسسي والفردي الكبير في منع هذه الجريمة والحد منها لقربه من المجتمع ولوجود سمات في العمل التطوعي والفردي من الممكن أن يكون مكمله للعمل الحكومي الرسمي، وبين ذلك أهمية هذا الجانب في مكافحة الجريمة، وذلك بالتواصل من أمثل الجهات الحكومية ذات الاختصاص مع المؤسسات التطوعية بشكل مستمر وفاعل وتدريبها وتأهيلها للقيام بدورها فيما لا يتعارض مع قواعد وأحكام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص؛ مع أهمية التأكيد على دور الحسبة الدائمة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بهيئة حقوق الإنسان في المملكة، وتفعيل دورها سواء فيما يتعلق بالجانب الشكلي أو الموضوعي، لاسيما أنها الجهة الوحيدة التي ينحصر اختصاصها في الحسبة على الاتجار بالأشخاص ويمثل المرجع الموضوعي للجهات ذات العلاقة في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، وأن الفئات المشمولة في نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص من فئات المجتمع ومكونات الأسرة، وهي عرضة بأن تكون ضحية للاتجار بالأشخاص، بالإضافة إلى قرار المنظم لعدة أنظمة تسهم في حفظ حقوقها وعدم المساس بها والتعدي عليها، ولا تزال هذه الفئات مستهدفة من قبل الجناة وتوجه الاستغلال منهم لأنهم في دائرة الضعف والمواجهة غير النظامية، مما يعني ذلك التأكيد على جهات الاختصاص بالوظيفة الأمثل للأنظمة التي أقرها المنظم وأكد عليها ومعالجة جوانب القصور في هذا المجال وإزالة جميع العوائق تجاه الجهات التنفيذية.
وخرجت الدراسة بنتائج مهمة أوضحت فيها أن المملكة العربية السعودية تعد الرائدة في رعاية هذا الأصل الإسلامي من خلال قيام الدولة على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالاتها، وأن جرائم الاتجار بالأشخاص تعد من الجرائم التي حرمتها الشريعة الإسلامية بصورها وأشكالها ووسائلها وأساليبها كافة على اختلافها ونوعها، والنصوص الشرعية مستفيضة في ذلك، كما أن الفقهاء حذروا الأمة من هذه الجرائم ومن الممارسات والسلوكيات التي تفضي إلى الوقوع بها، ويعني ذلك أن الشريعة الإسلامية سبقت النظم الوضعية لمعرفة آثار هذه الجريمة والقضاء عليها، وأن الحسبة التي هي التطبيق العملي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستوعب في جميع أركانها وقواعد العمل على الحسبة على الاتجار بالأشخاص، ويدل ذلك أن الحسبة قائمة على صور الاتجار بالأشخاص قبل تحريمه دولياً، وكذلك قيام الحسبة على الاتجار بالأشخاص بعد تحريم صوره وأساليبه ووسائله، مشيرة الدراسة إلى أن الجهات ذات العلاقة تتفق على مفهوم الاتجار بالأشخاص من الناحية العملية، سواء ما يتعلق بالجاني أو الضحية أو الجريمة بذاتها ووسائلها وأساليبها التي تؤدي إلى استغلال الضحية بطريقة غير مشروعة، وأن الاختلاف في بعض الفروع دون الأصول، وأن المملكة اتجهت بشكل جدي على تجريم الاتجار بالأشخاص بجميع صوره وأشكاله وأساليبه، ويدل على ذلك صدور نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص وجعلت للنظام قواعد ومبادئ بأحكام يجب التقيد بها، على أن الاتجار بالأشخاص في صوره وأساليبه قبل صدور النظام مجرم في المملكة وفق أنظمة أخرى، وكذلك المخالفات التي تتعلق بالاتجار بالأشخاص في المملكة، وأن المجتمع الدولي متفق تماماً على تجريم الاتجار بالأشخاص والعمل على مكافحته ومنعه دولياً، واستدعى ذلك إلى إبرام عدة اتفاقيات ومعاهدات وسن بروتوكولات تسهم في الحد من هذه الجريمة والقضاء عليها، والتأكيد على دول العالم بإصدار التنظيمات المحلية التي تؤدي إلى تحقيق الهدف العالمي في القضاء على هذه الجريمة.
وشددت الدراسة على أن القضاء على جريمة الاتجار بالأشخاص ومنعها له أهمية بالغة لما للجريمة من خطورة وآثار سلبية على المجتمع والأسرة بالإضافة إلى الآثار السلبية في الاقتصاد والعمل والتعليم والصحة والأمن، وهذا ما حصل التنوع في طرح هذه الجريمة من الناحية النظرية من قبل عدة مختصين في الشريعة والقانون وعلم الاجتماع وحقوق الإنسان، كما أن جريمة الاتجار بالأشخاص لها خصائص تجعلها من الجرائم المعقدة وتنعكس ذلك على سبل الاحتساب عليها فهي جريمة مركبة ومتعددة الأسباب لوقوعها ونحوها وازديادها، وتعدد الجناة فيها والضحايا منها، ووسائلها وأساليبها، وأن الجهات الرسمية في الحسبة على الاتجار بالأشخاص في المملكة متنوعة ومختلفة التخصصات وهذا يمثل جانب إيجابي، على أنه يلزم من ذلك التواصل والتعاون والتعامل من هذه الجهات، مع أهمية قيام الجهات التطوعية على اختلافها في الحسبة على التجار بالأشخاص، لأنها تسهم في استكمال ما تسعى إليه الجهات الرسمية في المجتمع، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تنطلق الحسبة على الاتجار بالأشخاص منها ابتداءً، خاصة فيما يتعلق بالجانب الوقائي.
وأوضحت الدراسة أن النظام السعودي حفظ حقوق الفئات المشمولة في النظام، وأكد عدم التعدي عليها والتهاون بها لأنها في الغالب هي محل الاستغلال فقر في سبيل تحقيق ذلك النص صراحة على هذه الفئات وقرر تشديد العقوبة تجاه الجاني عند وقوع الجريمة، وحث جهات الحسبة على الاتجار بالأشخاص بالتأكيد على ذلك من خلال نصوص النظام، مشيرة إلى أن جريمة الاتجار بالأشخاص تقوم في المحتسب عليه سواء كانت جناية تامة من قبل الجاني تجاه الضحية أو الشروع فيها أو المساهمة فيها، أو التحريض عليها، وكل هذه الصور تعد من المحتسب عليه في الحسبة على الاتجار بالأشخاص وتقوم أحكامها وقواعدها وفق الشريعة الإسلامية والأنظمة ذات العلاقة، وبما أن جريمة الاتجار بالأشخاص لها وسائل وأساليب متعددة انعكس على ذلك القضايا التي تقع لسبب هذه الجريمة، ومن ذلك الجرائم المتعلقة بالعمل والجرائم المتعلقة بالآداب والأخلاق، وكذلك الجرائم المتعلقة بنزع الأعضاء والرق والتسول والهجرة غير المشروعة، وأن المنظم السعودي أكد أهمية الحماية الأمنية والرعاية الصحية والنفسية لضحايا الاتجار بالأشخاص لما لهذه الجريمة من آثار على المجني عليه وأسند هذه المهام إلى جهات التحقيق وجهات القضاء، كما أن الجهات ذات العلاقة تسهم في تحقيق هذا الهدف في المملكة كما أن للتعاون الدولي أهمية بالغة في الحسبة على الاتجار بالأشخاص في كون هذه الجريمة مركبة ومعقدة ومسرح الجريمة فيها واسع، وقد تمر الجريمة من خلال عدة دول في التخطيط والإعداد والتنفيذ، وأن أي قصور في هذا المجال يعني وقوع الجريمة وانتشارها من قبل الشبكات الإجرامية المنظمة، إضافة إلى أن جريمة الاتجار بالأشخاص تواجه مواجهة علمية نظرية قائمة على التأليف وعقد المؤتمرات والقرارات للتعريف بها وسبل مواجهتها، خاصة من قبل المختصين في القانون، على أن هذه الجريمة تحتاج إلى المزيد من بذل الجهد النظري والعلمي لنشر الوعي بين المختصين وبين أفراد المجتمع.