د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
أثبتت المواقف أن المملكة العربية السعودية القطب الأكثر تأثيراً في معادلة القوى العالمية والإقليمية؛ فما إن تتحرك المملكة سياسياً حتى تتجه الأنظار إليها من كل أرجاء العالم، وهذا هو قدر المملكة أن تكون قائدة للعالمين العربي والإسلامي، ورائدة لكل ما يعود بالنفع والخير والنماء على العروبة والإسلام.
استضافت المملكة خلال وقت وجيز ثلاث قمم: طارئتان، «خليجية وعربية» ودورية «إسلامية»، في وقت حرج يعاني فيه العالمان العربي والإسلامي إشكالات عدة؛ في مقدمتها قضيتا فلسطين والقدس الشريف، وما اتصل بهما من ممارسات بشعة تقوم بها دولة الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولا تُذكر هذه القضايا الشائكة إلا ويحضر معها دور المملكة الريادي؛ في دعم القضية الفلسطينية، ونصرة شعبها الأعزل من أجل حصوله على حقوقه، يتسنّمها تأسيس دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، علماً بأن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تقوم بخطوات فِعلية وفَعّالة على أرض الواقع لتحقيق هذه التطلعات؛ ومنها الدعم الكبير والمتواصل الذي قدمته لصندوقي القدس والأقصى بمبلغ تجاوز مليار ريال!
لقد أسفرت القمة الإسلامية عن توصيات إيجابية ومُؤطرة، واتخذت مواقف سياسية واضحة مما يحدث في بعض البلدان الإسلامية على كافة الأصعدة؛ فَجُمعت الكلمة ورُئب الصدع وتَوحّدت المواقف، بفضل الله ثم بفضل الجهود الحثيثة والمباركة التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين بمساندة عضيده وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، فكانت النجاحات حليفة مؤتمر القمة الإسلامي ومواكبة لشعاره: (يدًا بيد نحو المستقبل).
أما قمة مجلس جامعة الدول العربية فقد وَضعت النقاط على الحروف لِتعرّي نظام الملالي الفاشي، وتكشف عن تدخلاته السافرة التي دمّرت البلدان العربية عبر محاولاته البائسة واليائسة لاستهداف أمن واستقرار المملكة من خلال ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تغتصب السلطة في يَمن السعادة الذي فارقته الأفراح بعد أن سيطرت هذه العُصبة المجرمة على عاصمة القرار في أرضه.
لقد أكدت المملكة عبر بيان القمة الختامي قدرتها على توحيد العرب، وجمع كلمتهم، وأظهرت تغلغل النظام الإيراني في أعرق الأقطار العربية وهي العراق التي تسيطر إيران على كافة مفاصلها وجُل قراراتها، ولا أدل على ذلك من اعتراض حكومة العراق على بيان القمة الذي يُندد بتدخل إيران في شؤون الدول الأخرى؛ وأنا لا ألومهم على اعتراضهم، لأنه في مكانه! فإيران لا تتدخل في شؤون العراق؛ لأنها تعتبره المحافظة الإيرانية التاسعة عشرة! فبغداد ليس لها من الأمر شيء لأنها مُصفّدة الأيدي، ومُسمّلة الأعين، ومُقيّدة اللّسان.
العراق المختطف!
هذا الموقف المسيء من حكومة العراق -ولا بد أن نُفرّق بين أصحاب القرار في العراق من أذناب إيران وبين شعبه العربي الأبي الذي لا يمكن أن يَقبل بهذه المهانة والتبعية المُذلّة- يُعيدني إلى سنوات مضت ليذكّرني بالحوار الذي دار بيني وبين أحد منسوبي -أتحفظ على ذكر اسمه حفاظاً على سلامته- وكالة الأنباء العراقية عندما التقينا في العاصمة الماليزية كوالالمبور عام 2006م، حيث كنت مشاركاً في مناسبة إعلامية نظّمتها وزارة الإعلام ووكالة الأنباء الماليزيتين، ومنظمة اليونسكو، وحينها قال لي بلهجته العراقية الأصيلة: «تصدق يا محمد أن أي بيان يصدر من الحكومة العراقية يجينا من طهران بالفارسي واحنا انترجمه بالعربي ونبثه، وإن وكالة الأنباء يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني لهم دور كامل في مبنى الوكالة!»، ومع سوء أوضاع العراق في ذلك الوقت إلا أنني توقّعت أن في حديثه شيئًا من المبالغة، ولكن لاحق الأيام أثبت لي بما لا يدع مجالاً للشك أن العراق مُختطف من الإيرانيين، وأن جهود المملكة الحثيثة لإعادة العراق إلى عروبته مع صعوبة ظروفه السياسية أمرٌ مُلح وبالغ الأهمية، وهو ما سيكون في القريب العاجل إن شاء الله.
جاءت قمة المجلس الأعلى لدول الخليج العربية، لتؤكد على الدور السيادي المُهم الذي يقوم به الملك سلمان بن عبدالعزيز في سبيل دعم وحدة واستقرار دول الخليج، إلى جانب إدانة الدول الأعضاء للتدخلات الإيرانية في شؤون دول مجلس التعاون، ودعمها للعصابة الحوثية في اليمن عبر تزويدهم بالصواريخ الباليستية التي تجاوز عددها مئتي صاروخ استهدفت بها أرض المملكة، وكان تأكيد دول الخليج أن الحفاظ على سلامة وأمن واستقرار المنطقة العنوان الأبرز ضمن توصيات المجلس الذي تكلّل اجتماعه بالنجاح.
من طريف القمم الثلاث
من طريف القمم الثلاث سلوك الوفد القطري الذي (انحاش) من القمة الإسلامية بعد انسحاب (معازيبه) الأتراك مباشرة! ولم ينتظر التوجيه الصريح منهم، وهذا يشير إلى تطور ملموس في التقاط التوجيهات عبر البث اللا سلكي! فالعصابة التي تُسيطر على السلطة في قطر كثيراً ما تصف نفسها بـ(الذّهانة) التي ترجمها فعلهم القبيح عندما حاولوا قراءة ملامح وجه مُمثّل (المعزّب) التركي وفهموا من تعبيرات معاليه أنه يريد منهم الخروج وبالفعل هذا ما كان، وفي هذا التصرّف المشين دلالة واضحة على التبعية السياسية العمياء للنظام التركي الذي يُسيطر على قرار الدوحة، والأشد غرابة في تصرفات هؤلاء أنهم بعد عودتهم لبلادهم أصدروا بياناً مضحكاً عبر تصريحٍ هزيل لوزير خارجيتهم وَجّههُ لإحدى المحطات التابعة لهم وأترفّع عن ذكر اسمها احتراماً للقراء الكرام، وقد تضمن هذا التصريح الفاضح نُكوثهم عن موقفهم ونُكوصهم على عقبيهم عندما أكد وزير خارجيتهم اعتراض بلاده على بياني القمتين العربية والخليجية مع أنهم وافقوا عليهما مسبقاً! ولكن قاتل الله معازيبهم الأتراك فقد تأخروا في اتخاذ القرار حتى هذا التوقيت المخجل، ولسان حال هؤلاء المغلوب على أمرهم يقول بلسان (معزبهم) التركي: (تن هكن نتشي كايت)، ليس لنا إلا التنفيذ، أي انهزام ومذلة هذه! وأي كرامة ينشدها هؤلاء لوطنهم وأبناء مجتمعهم! وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما كانت الأقطار العربية مُقسّمة بين الفرس والروم، فلله درك يا سلمان العزم والحزم فقد أعدت للأمة العربية هيبتها ووزنها الإقليمي والعالمي.
ومضة
سرّني ما سمعته في خطبة يوم الجمعة الماضية بجامع أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عندما أشاد الخطيب فضيلة الدكتور: عبدالله التريكي، بمواقف المملكة الداعمة للعرب والمسلمين، وبجهود خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين في الدعوة لعقد هذه القمم الثلاث، وأهمية أن يكون المواطن مُدركاً لما تقوم به بلاده من جهود في هذا الميدان، وواعيًا للأخطار التي تحدق بوطنه، فما أجمل أن تكون خطبة الجمعة مواكبة للحدث وداعمة للوطن وللقيادة الرشيدة، لتقوم هذه الرسالة الدينية الأسبوعية بمهامها الاجتماعية والوطنية والفكرية.