خالد بن حمد المالك
بعد عودة الوفد القطري من مكة المكرمة، حيث حضر قمم مكة (الخليجية والعربية والإسلامية)، لم تكن مفاجأة أن يعلن وزير الخارجية القطري تحفُّظه، بل اعتراض قطر على بيان القمة الخليجية، والأخرى العربية، بحجة أن الوفد لم يتمعن بقراءة البيانَيْن؛ وهو ما يعني خلاف ذلك أن قطر كانت بكامل أهلية رئيس وفدها قد وافقت على الإجماع الخليجي والعربي دون اعتراض أو تحفُّظ، وأن إعلانها قد جاء بعد وصول الوفد إلى قطر، ومن المؤكد أنه تم بعد إملاءات وضغوط إيرانية.
* *
ومن الواضح أن الموقف القطري غير المفاجئ سببه الإجماع الخليجي والعربي الرافض للممارسات الإيرانية، ودعمها للإرهاب، والتنديد بتدخلاتها في شؤون دول المنطقة، وهو إجماع لا ينسجم مع السياسة القطرية، التي أصبحت إمارة تُلبي كل ما تمليه عليها الدولة الفارسية من سياسات ومواقف، بشكل أظهره بوضوح الموقف الجديد لقطر الرافض لقرارات القمتَيْن العربية والخليجية.
* *
وإيران هي الآن - كما كانت من قبل - في قفص الاتهام الثابت عليها بزعزعة الاستقرار في دول المنطقة، وحليفتها قطر ما هي إلا دويلة تابعة لما تقوله الدولة الفارسية؛ بدليل هذا التراجع المعيب عن قرارات كانت الدوحة قد وافقت عليها قبل أن تأخذ موافقة طهران، فإذا بها تتراجع عنها بسبب ضغوط إيرانية واضحة لمن يقرأ القرارات، ويتأمل حجة قطر الساذجة في التراجع عنها.
* *
السؤال: هل هذا التحفظ قطري أم إيراني؟ وكيف تقبل قطر بأن تكون دولة تابعة لإيران، تملي عليها طهران سياسات تزيد من تسريع إقصاء قطر عن محيطها العربي والإسلامي السُّني، كما لو أن النظام القطري يتجه نحو التشيع إرضاءً لأسياده في طهران وقم؟ وإلا كيف لنا أن نفهم هذا الموقف القطري المتخاذل الذي لا يُرضي إلا الإيرانيين، فضلاً عن أنه يتنكر لكل المبادئ والقيم والتعاون بين دولنا العربية والخليجية فقط؟
* *
ثم ما قيمة قطر لتوافق أو تعترض على قرارات لقمم كهذه؟ فهي دولة منبوذة وصغيرة، ولا تأثير لها في أي اتجاه أو موقف من أي قضية، فيما تظل حدودها وتوجهاتها مرهونة بما تمليه إيران ومجموعة الإعلاميين في قناة الجزيرة، ودور الدوحة أن توافق وتبصم على ما تراه يحرك وضعها البائس، بحثًا عن مخرج من المأزق الذي تعاني منه وتمرُّ به منذ المقاطعة، أو الحصار كما تسميه العاصمة القطرية.
* *
قرارات القمم الثلاث، بما فيها القمة الإسلامية، أصبحت نافذة، ولا قيمة لهذا الموقف القطري المتقلب، ولن يغيِّر شيئًا أن تعلن قطر رفضها أو تحفُّظها، حتى ولو كان هذا الموقف قد تم في قاعات الاجتماعات، فضلاً عن أن الإعلان قد جاء بعد اختتام القمم، ومرور أكثر من يومَيْن على انتهاء القمتَيْن العربية والخليجية.
* *
لقد شدَّدت القمم الثلاث - وهو ما رفضته قطر في موقف يعبِّر عن سياسات إيران - على القضية الفلسطينية، ورفض الإرهاب والتطرف بجميع صورهما، وأدانت إرهاب الحوثي، وسلَّطت الضوء على ممارسات إيران، وأدانت سلوكها، وأكدت السعي لأمن واستقرار المنطقة، ودعم الشرعية في اليمن.. فهل في هذه القرارات ما يستدعي بقطر أن تعلن بعد انفضاض اجتماعات هذه القمم رفضَها، والتحفُّظ عليها، لولا أن قطر لا تملك حرية القرار، وفاقدة لسيادتها، ومسلِّمة أمرها وشؤونها للضغوط الإيرانية؟ وهذا الموقف، وتفسير مراميه وأهدافه، يعرفه القاصي والداني، كما يعرفه جيدًا مَن لديه ولو بعض علم.