عبده الأسمري
الروح وما أدراك ما الروح.. تظل في «مقام» العلم الغيبي..وأورد القرآن الكريم أن الروح من علم ربي.. أما النفس فتبقى في دائرة «الفهم البشري» ومدار «المعرفة الإنسانية» ودل القرآن على مواضعها في النفس الإمارة بالسوء واللوامة والمطمئنة.
وأكد الدستور العظيم أننا لم نؤت من العلم إلا قليلاً وتبقى مساحة الغيبية «منطقة إلهية» تتضمن الحكمة الربانية العظيمة التي وضعت الأسس والقواعد التي تتجه إلى الصلاح والخير بكل تفاصيلها رغماً عن «عجلة» العبد و«استعجال» «المخلوق».. ولو أطلعنا على بشائر الحكمة لرأينا تفاصيل «الصناعة القدرية» للهدايا والعطايا التي ترسم محافل السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة.
ومن الحكم الربانية وجود المواسم الدينية والشعائر الإسلامية مثل إقامة الفرائض وإيتاء الزكاة والصدقة والصيام وشعب الإيمان ومسارات الإحسان التي عادة ما تربي الأنفس وتصفي الأرواح وتطمن الأفئدة وتجلي الهموم وتجبر الخواطر وتشفي الأجساد وتطمس الضغائن وتطهر القلوب وتوجه العقول نحو «السداد» في الأمر و«التسديد» في الهدف.
عندما ينتهي شهر الصيام يجب أن يخضع كل مسلم نفسه إلى «تحليل» لمهاراته وقيمه وصفاته وأن يقوم بمعرفة «التشخيص» السليم والدقيق لحالة النفس وأحوال الروح حتى يعرف ويفهم ويعي بالفوائد التي جناها مع أهمية استخراج «كشف حساب» عن عمله وعلمه.
وعندما يحل «العيد».. هل سنعيشه في مسار «التوقيت المؤقت» أم في درب «الفائدة المستهدفة» وهل سنعايشه من باب «تأدية الواجب» أم «تهذيب الواجبات».
أسئلة كثيرة ومتعددة قد لا تأتي في دائرة «الذهن الإنساني» وقد لا يرصدها «رادار النفس البشرية» ولكنها تظل حتمية وضرورية واضطرارية في درب «العقل» وطريق «المنطق»
للنفس قوى خفية وأسرار عميقة يجب الغوص في أعماقها حتى نصل إلى «السمو» بالروح نحو مدارات الرقي وكي ننقيها من درن «الواقع» ونصفيها من شوائب «الأنانية» ونفلترها من رواسب «الذاتية».
أكرمنا الله بالفكر وأنعم علينا بالحدس وبعد النظر وكفاءة الفهم وأتباع الخير وحب المنطق وفي كل ذلك «آيات لأولى النهى» مما يستوجب أن نتدبر المعادلة العجيبة بين أسرار النفس وسرائرها العظيمة وصفاء الأرواح حتى نصل إلى الترابط العجيب والارتباط الأعجب بين ملكات النفس ومقومات الروح. علينا فقط أن نسير ونوجه النفس لتكون أرواحنا متصالحة مع تعاملاتنا متصافحة مع معاملاتنا.
وكي نعرف الفوائد ونتعرف على المنافع علينا أن نطهر أرواحنا من الغل وننقي دواخلنا من إساءة الظنون ونهذب ذواتنا من طغيان المصالح حتى نعيش في مستويات «مرونة» عالية في تكييف أنفسنا مع النوائب والمصائب في اتجاه وتكيف سلوكياتنا مع الأفعال والأقوال التي تأتي إلينا وتتجه نحونا بشكل دائم لا مناص منه في اتجاهات أخرى.
هذه الحياة مليئة بالمواقف ممتلئة بالظروف مكتظة بالابتلاءات تفيض بالأقدار التي تتشكل في هيئة «امتحان» إلهي وتتبلور في إطار «حكمة» ربانية لذا يجب أن ندرس الأمور تحت عنوان «التروي» وبرؤية «الاعتبار».. حتى نطلق للنفس «عنان» التعامل بمبدأ «لا ضرر ولا ضرار» ونوظف الروح كي تتسامى عن «ثورة الفتن» وتتعالى عن «بركان التحامل».. فلا أجمل من روح صالحة ونفس فالحة ترقى عن سوءات «الإنكار «وترتقي عن مساوئ «التنكر».
صفاء الروح «نعمة» فاخرة يسمو بها ذوو الأخلاق الحميدة و»بشرى» عاطرة تملأ «أفق» المستقبل برياحين الأمنيات وتبقى «سرائر» الأنفس «نعم متاحة» لكل من اعتبر فتفكر وتدبر.
وإن تكالبت الظروف وتلبدت سماء النفس بغموم «العوائق» وباتت الاتجاهات الأربعة تتجاهل الآمال وبات نظر الإنسان في «حيرة» و«احتيار» بين واجهات مغلقة.. فلترتفع «الأبصار حينها» بذل وخضوع وهجوع وخنوع إلى البارئ المصور العزيز الحكيم حينها ستأتي «الغنائم» وسترتب «المغانم» لتنهال بسخاء وبعطاء لا يعرف مداه إلا من خلقه وأوجده.