د. جاسر الحربش
البيانات الختامية للقاءات القيادات الإسلامية والعربية والخليجية تحمل دائماً الكثير من تأكيدات التضامن ضد الاعتداءات الخارجية. ما يهم الشعوب العربية والإسلامية من التطمينات وتأكيدات التضامن هو ليس أكثر من التفاؤل بفتح الأبواب لمواقف صادقة تتوقف فيها الاعتداءات والإساءات المتبادلة، وليس ضرورياً أن تبدأ فيها المواقف الإيجابية، مواقف التضامن الإيجابي الفعال عند الأزمات لمساعدة أي طرف عربي يتعرض لاعتداء خارجي.
لم يعد يهم المواطن في العالم العربي والإسلامي أن يهب كل طرف قدر استطاعته الفعلية بمساعدة الطرف الآخر، بقدر ما يهمه أن يتعهد كل طرف ويطبق فعلياً عدم الانضمام لعدو خارجي له سياساته المعلنة والمطبقة بالاجتياح والاحتلال والتخريب في كل الجغرافيا العربية والإسلامية. بالعربي الفصيح لا يطلب المواطن العربي المكتوي بنيران الصراعات الأخوية المتبادلة سوى أن يعتذر من لا يستطيع المساهمة في الدفاع الميداني، ولكن أن يتعهد صادقاً في نفس الوقت بألا يتعاون مع المعتدين لا من فوق ولا من تحت الطاولة.
عندما كشرت الخمينية عن أنيابها باتجاه العرب كاشفة إعلامياً عن نية تجييش الأقليات الشيعية ضد أوطانها وعن هدف الانتشار التوسعي في الخليج والجزيرة العربية والعراق، حينئذ اشتعلت الحرب الإيرانية العربية الأولى.
انطلاقاً من مبدأ التضامن العربي المتكامل قدم الخليج العربي كل ما يستطيع تقديمه للعراق العربي (آنذاك) وكانت النتيجة النصر للعراق وللخليج ولكل العرب. لكن عندما نقض العراق تعهداته بالتضامن واتجه غازياً نحو الخليج لم تكن المساهمات العربية غير الخليجية كافية ولا فعالة بما يكفي لصد العدوان، فتعولمت القضية واتسعت وانكفأ العراق وخسرت الدول الخليجية أكثر مدخراتها المالية ودخلت في مرحلة تقشف لعدة سنوات.
بعد الغزو الأمريكي الإيراني عام 2003م وعزل العراق عن جسده العربي انتشر السرطان الفارسي التوسعي ووصل إلى شواطئ المتوسط ومضائق البحر الأحمر الجنوبية.
المعنى في ذلك أن منضدة التضامن العربي تشبه منضدة الدومينو، عندما أسقط الحجر العراقي نفسه تساقطت بعده أحجار كثيرة وانفتحت أبواب عديدة لكل من هب ودب من الدول الخارجية للتلاعب بالأمن العربي.
المنظومة العربية الخليجية تعرف وتستطيع بالتأكيد كيف تدافع عن نفسها وتردع الخطر الإيراني لو كان لوحده، لكنه ليس لوحده ومعه عرب كثيرون من بعض الخليج ومن العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى من فلسطين للأسف.
أسأل الله تعالى أن يصدق المؤتمرون في مكة المكرمة بتعهداتهم ويكفوا الأذى عن بعضهم البعض على الأقل لأن في ذلك خيرا كثيرا. عندئذ سوف يضمن عرب الخليج الدفاع عن أنفسهم على أكمل وجه لصالحهم ولصالح الأمن العربي المتكامل.