بينت دراسةٌ نشرت بإشراف كرسي الزايدي لأبحاث أمراض المفاصل والروماتيزم -التابع لكلية الطب- جامعة أم القرى، ضمت ما يقارب الـ250 مريضاً من مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي في خمس مدن سعودية، أن مريض الروماتويد قد يقضي ما يقارب من 36 شهراً من فترة بداية المرض إلى أن يتم البدء بالعلاجات الناجحة لمرض الروماتويد، وهذه نسبة مخيفة، خصوصاً إذا علمنا أن معظم التشوهات المزعجة التي تحدث في المفاصل حسب دراسات كثيرة تكون عادة في السنوات الأولى من التشخيص، ومما يزيد الأمر حنقاً، ويفسر أحد أهم أسباب تأخر التشخيص أن هذه الدراسة بينت أن مريض الروماتويد لا يلجأ إلى طبيب الأسرة ولا طبيب الأمراض الداخلية «الباطنة» ولا إلى طبيب الأمراض الروماتيزمية، وإنما 70 % حسب هذه الدراسة يلجؤون إلى جراحي العظام في أول زيارة؛ ظناً منهم أن أي ألم في المفاصل الصغيرة أو الكبيرة يندرج تحت مظلة طب جراحة العظام، وغاب عنهم بسبب قلة الوعي الإعلامي والمجتمعي أن طب جراحة العظام لا يتعاطى إلا مع الكسور والحوادث والإصابات الرياضية وخلافه، ولا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد بالالتهابات المناعية الروماتيزمية التي تصيب المفاصل، والتي تندرج تحت طب الأمراض الروماتيزمية التي هي أحد تخصصات الطب الداخلي «الباطني».
لا بد من الإشارة إلى أن الغذاء ونوعيته لهما دور كبير في ظهور الأمراض المناعية، والتي يشكل مرض التهاب المفاصل الروماتويدي أحدها، ولدينا قاعدة قرآنية لا يلتفت إليها الكثير وهذه القاعدة القرآنية تقول: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» (31: الأعراف) والحديث الذي رواه الترمذي والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
إن الإسراف في تناول الملح يشكل خطراً كبيراً على الجهاز المناعي مما يهدد بتحوير عمل عدد كبير من الخلايا المناعية منشطاً ومحفزاً لها للقيام بأدوار التهابية هدمية تساعد على ظهور عدد من الأمراض المناعية من ضمنها التهاب المفاصل الروماتويدي.
نشرت دورية (نيوترينت) هذا الشهر (مايو/2019) دراسة استقصائية شاملة لآثار الملح على ظهور الأمراض المناعية، واستعرضت الدراسة نتائج الدراسات المختبرية على فئران التجارب، وكذلك الدراسات السريرية، وخلصت إلى ضرورة التقيد بخفض نسبة الملح إلى أقل من 5 جرامات في اليوم، وذلك حسب توصية منظمة الصحة العالمية، وهو ما يعادل الملح في ملعقة شاي صغيرة، وللمقارنة فقط أذكر أن معدل الملح الموجود في البيتزا الإيطالية هو تقريباً 9.5 جرام، وقد تزيد حسب الإضافات ونوعيتها والحد من الملح بل الحرص والحذر في الغذاء بشكل عام والبعد عن السمنة يجب أن يكون نمط حياة، فهو لا يؤدي إلى نتائج وقائية فقط للأمراض المناعية بل له دور كبير في تقليل الإصابة بأمراض الضغط والقلب وتصلب الشرايين، وأتذكر هنا حكمة صينية تحذر من السُمّين الأبيضين -نعم سُمّان- الملح والسكر!
** **
أ.د. هاني محمد المعلم - أستاذ طب الباطنة والروماتيزم - كلية الطب - جامعة أم القرى - استشاري الأمراض الباطنية والروماتيزم