عبدالعزيز السماري
من الظواهر اللافتة في رمضان الحالي اختفاء تعدد برامج الإفتاء بدرجة ملحوظة، وهي جزء من الصورة الأكبر، وتدل على أن ظاهرة الفتاوى الكثيرة قد انتهت، وربما وصلنا إلى نهاية مرحلة، وفي انتظار أخرى، وربما انتهت المسائل التي تبحث عن فتوى، فقد وصلت الحضارة الحالية إلى مرحلة متقدمة من درجات التواصل والشفافية؛ وهو ما عطل مفاهيم المنع من خلال تحريض العقل على البحث عن الأجوبة بدلاً من سماعها أو نقلها.
كذلك في جانب آخر فقدت الثقافة جزءًا كبيرًا من شعبيتها؛ فالمقال والكاتب الصحفي لم يعودا مؤثرَيْن كما كانا قبل سنوات.. وهل لذلك علاقة بوسائل التواصل وطغيان وشعبية التغريدة القصيرة؟ فالمقال الطويل أصبح مملاً في عصر السرعة، والكلام المثقف فَقَد جاذبيته. ولعل حرية التعبير وارتفاعها في الفضاء الإلكتروني كسب المعركة مع الصحافة الورقية.
سيواجه الإعلام التقليدي مصيره الحتمي ما لم يواكب المتغيرات العالمية الكبرى. والأهم من ذلك أن يتحول إلى دور ريادي في التعبير والبحث عن الأخبار بشفافية وحياد.. لكن جموده الحالي سيجعله في طور النسيان قريبًا. ولو قارنَّا صحيفة عربية بالنيويورك تايمز مثلاً لاتضحت الصورة.
ثورة الاتصالات الحديثة تجاوزت همس الحروف؛ فدخول إعلام القنوات الشخصية في مختلف الوسائل زاد من العرض إلى درجة كبيرة؛ وهو ما أفقد الوسائل الرسمية جزءًا من شعبيتها. كذلك تنوعت الاهتمامات، واختلفت البرامج.. أعني بذلك خروج قنوات متخصصة لكل شيء، للشعر الشعبي والكوميديا والدراما والاقتصاد والقبائل.. وهكذا.
يوجد في الساحة الآن صراعٌ في ميادين النجومية؛ فالكل يبحث عن الشهرة بأي طريقة، وذلك من أجل استثمارها ماديًّا.. وهي ظاهرة لن تستمر طويلاً؛ فالجميع سيكون له بريق من نوع مختلف، وستكون الساحة مكتظة بالباحثين عن الشهرة، وستفقد تأثيراتها على الناس.
ما يحدث يعد أمرًا مذهلاً، لكن يبدو أن المرحلة القادمة ستأتي بتحولات أكثر تسارعًا في أحداثها؛ فالمجتمع لم يعد ساكنًا، بل كائنًا متحركًا بسرعة عالية، والسيطرة على الوضع لن يكون ممكنًا مع دخول عصر الاتصالات الدولية.. والأخبار تتحدث عن بث آلاف الأقمار الصناعية لبث الشبكة الإنترنتية قريبًا، وخروج نظام G5 السريع؛ وهو ما يعني اتساعًا أكثر وقاعدة أكبر للمشاركين.
وجه الخطورة سيكون في خروج جيل اتصالات لا يخضع للرقابة، وهي مرحلة قريبة نوعًا ما؛ وهو ما سيجعل المسؤولية الفكرية غائبة، وفي وضع أقرب للفوضى، وستكون مهمة الجهات القانونية صعبة للغاية، وسيكون من الصعب السيطرة على مليارات المشاركين في هذه الوسائل.
قد تؤدي الحرب التجارية الحالية إلى دخول الصين ميادين البث في مجال الإنترنت بعدما كانت بعيدة نوعًا ما، ولكن احتمالات دخولها أصبحت أكبر من ذي قبل؛ فالحرب ستشتعل بينها وبين العم سام، وقد تتغير موازين السياسة الإعلامية في الصين؛ وبالتالي في بقية العالم..
عربيًّا لم يكن لنا دور في دخول العالم الجديد إلى الجيل القادم والأكثر تطورًا في أنظمة الاتصالات؛ فوضعنا لا يزال في طور الاستهلاك، مثل ترويج الفتاوى، أو تسجيل المقاطع الكوميدية، أو مسابقات في الشعر الشعبي، وغيرها من فنون الماضي، بينما يعتبر هذا الاقتصاد على وجه التحديد هو المستقبل، والمشاركة فيه من خلال منتج جديد، مثل سامسونج أو هواوي، يعني أننا وصلنا مع الركب إلى المستقبل، أو أننا في طور اللحاق به قريبًا.