أحمد عبدالعزيز الجنيدل
يخطر بالبال قول الشاعر القديم: وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. ولكن عين السخط تبدي المساويا، حينما أرى الإعلام الغربي وهو يفتح عينيه باتساع على الهجمات العسكرية المشروعة التي يقودها التحالف في اليمن ويسلط أضواءه عليها ويسخر كتابه لمهاجمتها، لكنه يغمض عينيه عن الهجمات الحوثية التي تستحق أن تُدرج تحت طائلة جرائم الحرب وفق القانون الدولي.
ليس من المبالغة وسم الاعتداء الحوثي على محطتي ضخ نفط أنه يشكل جريمة حرب. وهنا يجب التنبه إلى أن القانون الدولي لا يهدف إلى إنهاء الحروب، لكنه يسعى إلى أن يكون مظلة تدير الحروب ويخفف من حدة آثارها. كانت أحد أبرز مهمات القانون الدولي هو تحديد الأهداف التي يجوز استهدافها أثناء الاشتباكات المسلحة. وإحدى القواعد المسلمة في القانون الدولي اليوم أن الأهداف العسكرية هي وحدها ما يجوز استهدافه ولا يجوز استهداف أهدافٍ مدنية. وشكلت المادة 52 من البرتوكول الأول لاتفاقية جنيف الدولية الأساس الذي يعرِّف ويحدد ما هو الهدف العسكري الذي يجوز استهدافه بأنها الأهداف التي «تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، التي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.» ومما لا جدال فيه بين فقهاء القانون الدولي أن المقصود بالمساهمة في العمل العسكري هي المساهمة المباشرة المؤثرة، وأن كون الإيرادات المالية لمؤسسة مدنية تذهب إلى الدولة «مثل حالة أرامكو» لا يجعلها هدفًا عسكريًا بأي حال من الأحوال. والحقيقة أنه بهذا الاعتبار فإن كل المؤسسات والشركات المدنية تساهم في الحرب، فمثلا في حالة الولايات المتحدة فإن شركة مايكروسفت تدفع ضرائب للحكومة الأمريكية وجزءًا من هذه الضرائب يذهب للجيش الأمريكي ولو دخلت الولايات المتحدة في حرب مع دولة أخرى فإنه لا أحد من فقهاء قانون الدولي يقول إنه يجوز توجيه صواريخ على المركز الرئيسي لمايكروسفت باعتبارها مساهمة في العمل العسكري التي تقوم به الولايات المتحدة. ومضخات النفط التي تم استهدافها هي مؤسسات مدنية وليس لها مساهمة مباشرة في الحرب الدائرة. وقد نص القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن جرائم الحرب تشمل «تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافا عسكرية». وبذلك فإنه ما فعله الحوثي هو جريمة حرب.
والحقيقة أن مأساة الحوثي ليست أن هذا الهجوم وغيره من الهجمات (استهدافه المطارات المدنية وناقلات النفط في المياه الإقليمية) لم يكن مؤثرا (لم نعلم عنها إلا بسبب تبني الحوثي لها ولو لم يتبنها لم نكن لنعلم أن هنالك هجوما قد وقع) لكن مأساته الكبرى أنه يُسقِط كل الأقنعة عن وجه هذه الميليشيا المسلحة ويقدمها بوجهها الحقيقي الذي هو أنها مجرد عصابة مارقة على القانون والأعراف الدولية، وأن وجودها على حدود أي دولة هو خطر قومي يجب اقتلاعه قبل أن يتفشى.. وهذا ما تحاول المملكة فعله.