محمد بن عيسى الكنعان
يحاول الإعلام المعادي للمملكة أن يُقلل من أهمية القمم الثلاثة (خليجية، وعربية) طارئتين، ثم (قمة إسلامية) بدورتها الـ(14)، التي سُتعقد - جميعها - في رحاب مكة المكرمة، خلال الفترة (25 - 27 رمضان 1440هـ)، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله؛ للتشاور والتباحث مع الدول الخليجية والعربية الشقيقة في كل ما من شأنه تعزيز الأمن وترسيخ الاستقرار بمنطقتنا، عقب قيام ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران باستهداف محطتي ضخ نفطية داخل المملكة، والهجوم على سفن تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وانعكاس ذلك سلبيًا على السلم والأمن الإقليمي والدولي، وعلى إمدادات أسواق النفط العالمية واستقرارها.
والمملكة ليست جديدة أو حديثة العهد بعقد قمم كبرى بهذا الحجم وهذا التنوع، وفي ظروف غير اعتيادية، فدورها القيادي وعطاؤها الريادي في المنطقة، ومركزيتها العربية، ومكانتها الإسلامية المعتبرة، وثقلها الدولي المشهود، فضلًا عن سمعتها الإيجابية العالمية يؤهلها - وبكل اقتدار - لعقد وتنظيم وإدارة قمم سياسية، سواءً طارئة أو اعتيادية؛ لهذا كانت الاستجابة سريعة، والتأييد واسع من قبل الدول الشقيقة، ثقةً بمملكة الحزم، ويقينًا راسخًا بأن السعودية لا تعقد مثل هذه القمم من قبيل الترويج السياسي أو الاستهلاك الإعلامي، إنما لأنها تُدرك - بوعيها السياسي العميق، وخبرتها التاريخية العريقة - أن الظروف التي تمر بها المنطقة ليست عابرة، أو اعتيادية، أو مطمئنة، وأن العبث بأمن المنطقة، والتعدي على استقرار دُولها سيجرها إلى كوارث لا تُحمد عقباها؛ ما يؤدي إلى خلق الفوضى وتعطيل التنمية ونشر الخراب، لذا كان من الخير عقد هذه القمم لمواجهة حقائق الواقع ووضع الأمور في نصابها. فالمنطقة العربية لم تتعاف بعد من آثار ما يسمى ثورات (الربيع العربي)، التي أسهمت في تدمير أكثر من بلد عربي تحت شعارات فارغة وبراقة عن الحرية والديمقراطية ورفع الاستبداد، وبشكل متزامن مع عبث إيران في أكثر من بلد عربي، لدرجة أن تجرأ أحد الملالي الإيرانيين بالتفاخر بأنهم يحتلون أربع عواصم عربية، من خلال وكلائهم من ميليشيات وأحزاب إرهابية تحت أغطية سياسية. ولولا الله ثم عاصفة الحزم لكان المشروع الصفوي يحتل كامل اليمن.
اليوم تطور الموقف بشكل خطير، ولم يعد مقبولًا، أو يحتمل التأجيل، أو يقبل التبرير، فعلى كل دولة أن تتحمل مسؤولية تصرفاتها العبثية، وتحديدًا إيران استنادًا لتاريخها الدموي في لبنان والعراق وسوريا، ودعمها الحوثيين في اليمن، وسجلها الأسود في حقوق الإنسان، وتدخلها السافر في مملكة البحرين، واحتلالها للجزر الإماراتية. فالنظام الإيراني الحالي عدواني في طبيعته وتوسعي في إستراتيجيته، وهو لا يبحث عن الأمن، ولا يهمه استقرار المنطقة، التي لم تعرف الحروب الإقليمية والاضطرابات والطائفية البغيضة إلا بعد أن وصل هذا النظام لسدة الحكم في إيران العام 1979م، خاصةً أن دستوره القومي يؤكد تصدير الثورة الخمينية، ويجيز التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، من خلال دعم المنظمات والجماعات الإرهابية والمتطرفة.
أما لماذا يحاول الإعلام المعادي - وبالذات قناة (الجزيرة) - التقليل من هذه القمم التاريخية، فلأن هذه القمم تؤكد علو الهمم لدى قيادتنا الرشيدة، واستشرافها المستقبل بحكمة عما يهدد المنطقة، ويؤثر على السلم والأمن العالميين، ولا شك أن نجاح أي قمة تعقدها المملكة يُعد إنجازًا يُغيظ ذلك الإعلام، الذي ما زال يتبنى منهجية الكذب وينشر الأباطيل لتشويه دور المملكة التاريخي والمحوري بالمنطقة، كي يبرر ما تفعله إيران، ويعزز تطلعات تركيا لقيادة المنطقة، وأيضًا يشير - بطريقة غير مباشر - إلى أن ما تفعله قطر من سياسات وتدخلات هو سلوك سياسي طبيعي. لكن فات على ذلك الإعلام المأجور ومن يقف وراءها من دول وجماعات أن المملكة هي محط أنظار العالم، وقلب العالم الإسلامي، وعاصمة القرار العربي، والعمق الإستراتيجي لدول الخليج، ما يعني أن كل خطوة تخطوها، أو إجراء تتخذه، أو حدث تنظمه يُشكل علامة فارقة ومؤثرة وداعمة لمسيرة التعاون الخليجي، والموقف العربي، والتضامن الإسلامي، وصولًا إلى المشهد الدولي. ودام عزك يا وطن، فهو عز لكل عربي ومسلم.