في خضمِّ ضجيج طبول الحرب في كل الدنيا، والتهديد بإبادة الجنس البشري، تنبثق فجأة «ولادة» للعقل تبعث الأمل بالحياة من جديد.
مساعي العراق لنزع فتيل الحرب التي قد تتحول إلى كونية!، ليست هي المساعي الوحيدة، ولكنها مبادرة من العراق الجريح، الذي خرج للتو أو يكاد؛ من حرب طحنت البشر والشجر والحجر. هذا العراق المدمَّر، الذي يحتاج معجزات لاستعادة أنفاسه، يبادر بعنفوان المقتدر لجمع الأطراف حول طاولة واحدة لإعلاء صوت العقل.
لن أستبق الأحداث وأقول إن المبادرة ستنجح أو ستفشل؛ أو ربما ستساندها؛ أو تجهضها مبادرات أخرى من أماكن أخرى، ولكنها على الأقل ستؤجل النهاية السوداء إذا كانت محتومة!. ويبقى العراق هو العراق؛ مولد أول حضارة في التاريخ؛ وأول أسطورة في التاريخ؛ وأول فن وشعر وأغنية وو..إلخ.
تكالبت الغزوات على بلاد الرافدين منذ آلاف السنين؛ وكأن العراق قد «أساء» للبشر بينبوع الحضارة فيه، ولكن لم يستطع أحد قتله أو انتزاع الأصالة منه. ولم يفلح المرتزقة أشباه البشر؛ بعد كل ذلك التحطيم للأثر؛ إتلاف أصالة الشعب العراقي الحر.
بيد أن خيرات العراق نُهِبَت على مر العصور، وتعوَّد أن يدخل من «ظلام في ظلام»؛ ثم يعود لينفض الغبار عنه؛ كما طائر الفينيق؛ يحترق ويعود للحياة من جديد؛ وكما قال فيه السياب:
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشوّان والحجر
رحى تدور في الحقول ... حولها بشر
ولكن بدر شاكر السياب يؤكّد:
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
ويخزن البروق في السهول والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
في الوادِ من أثر
أكاد أسمع النخيل يشرب المطر
وأسمع القرى تئن، والمهاجرين
يصارعون بالمجاديف وبالقلوع
عواصف الخليج، والرعود، منشدين:
مطر ... مطر ... مطر
** **
- د. عادل العلي