يا عيدُ عُدْ بِيْ إلى الأريافِ في وَطَنِي
أَلْقَاْكَ فِيْها وَلاْ أَلْقَاْكَ فِيْ الْمُدُنِ
فَتَّشْتُ عَنْكَ هُنَا فِيْ كُلِّ سَاْنِحَةٍ
فَمَا وَجَدْتُك فِيْ سِرٍّ وَلا عَلَنِ
لَبِسْتُ ثَوْبَكَ مَزْهُوًّا بِجِدَّتهِ
فَلَمْ أَرَ مِنْكَ عَيْنًا فِيْهِ تَرْمُقُنِي
ولاحَ لِي كُلُ وجهٍ لستُ أَعرفُهُ
ولم تَلُحْ طَلَّةٌ من وجْهِكَ الحَسَنِ
خَفِيتَ عنّي فلا عينٌ ولا أثرٌ
حتَّى كأنَّكَ هذا اليوم لم تَكُنِ
العيدُ تَخْفقُ في الأرجاءِ نَشْوتُهُ
ويومُهُ بابتهاجِ الْمُسلمينَ غَنِي
يا طائرَ العيدِ أنَّى كُنتَ في قفصٍ
وأنتَ أَصْدَحُ مَنْ غنّى على فَنَنِ
هلاَّ إلى الرِّيفِ والأطيارُ صَادِحةٌ
فَرَرْتَ من سِجْنِ هذا العالَمِ الْمَدَني
تَلْقَى الحياةَ بهِ جَذْلى، ومنظرُها
زَاهٍ، وبهجتُها في الحيِّ والسَّكنِ
وفرحةُ العيدِ بينَ النَّاسِ سَارِيةٌ
أَنفاسُها سَريانَ الروحِ في البَدَنِ
الرِّيفُ في العيدِ مَفتونٌ بزينتهِ
والعيدُ يزهو بريفٍ فيه مُفْتَتِنِ
من ليلةِ العيدِ والأطفالُ مُلْقِيةٌ
مُفَرْقَعَاتٍ تُدَوِّيْ من هُنا وَهُنِي
تَروقُ عينيْ بأشكالٍ لَهَا شَرَرٌ
وَتَسْتَلِذُّ صَدى أنغامِها أُذُني
هُنَا الوُجُوهُ التي بالصِّدقِ أَعْرِفُها
عَفْويَّةً في تأتِّيْهَا وتعرفني
فيها البَسَاطةُ طَبْعٌ لا يُغَيّرُهُ
ما سَرَّ من زمنٍ أو سَاءَ من زمنِ
صُدُورُهم لمْ تَلِجْ طَيَّاتِها إِحَنٌ
عُرَى التَّآلُفِ عَرَّتْها من الإِحَنِ
لَمْ تَمْتَهِنْ سَيءَ الأَخلاقِ أَنْفُسُهم
لأَنَّها لَيَّنَتْها قَسْوةُ الْمِهَنِ
لَيْسُوا كمَنْ ضاقتِ الدُّنيا بناظرِهِ
لا يَبْسُطُ الكَفَّ إلا قَابِضَ الثَّمَنِ
في الرِّيفِ للعيدِ ثوبٌ راقَ مَلْبَسُهُ
وفي الْمدينةِ ثوبُ العيدِ كالكَفَنِ
مازَالَ يَلْهَجُ للسُّكْنى بِهِ وَلَهٌ
خبَّأتُهُ مِنْ خبايا النَّفسِ في رُكُنِ
فَهَلْ تَجُودُ بِها الأيَّامُ رَاضِيَةً
أَمْ تشتهي الرِّيحُ ما لا تشتهي سُفُني
** **
- د. خالد الحافي