استيقظت من حلم تعيس، مددت يدي لألمس شعري منذ أن قصصته آخر مرة. لمس أصبعي مادة غريبة، تشبه العلكة، كانت تربض على مجموعة من الخصل أعلى رأسي. قفزت من سريري مهرولة.. قصدت المرآة؛ لأنظر لها عن قرب. لا أراها؛ فهي أعلى رأسي. حاولت أن أخفضه، لكنني لم أفلح في اصطيادها بعيني. أرجع للمسها.. كانت مادة رطبة، وقاسية قليلاً، بلون عكر، أشعر بأنها كذلك، ربما جائعة؛ لأنها تلتصق في شعري بكل إصرار.
وقفتُ ساعة أنظر لشعري في المرآة، أعدِّد محاولاتي بلسان ثقيل. آه من هذا اللسان، ليته لم يكذب قبل أن ينام. هل للكذب علاقة بهذه المادة؟ حين أخفيت إحساسًا ثقيلاً كاسمي الذي أحمله؟ وناديت على أسماء أخرى، لا علاقة لها بالحياة؟! قلت في نفسي ربما أفزعه هذا العبث، ومنعه من التعبير إلا بهذا الثقل، لكن السؤال: كيف جاءت؟ لا، لم أرد هذا السؤال، بل من أين جاءت؟ هو الأنسب. تكثر الأسئلة في الأزمات دون نتيجة.
ربما ذلك الحلم السخيف، نعم، هو، حيث رأيتني أُخرج كل عصافير البيت من قلبي. قلت هازئة بينما يدي على تلك المادة الملتصقة بشعري: من أين لقلبي كل هذه العصافير، ولا لسان يلبي نداءها؟!
قلت كمن يطرد نحسًا، لا يمكن للحلم أن يُدخل مادة غريبة ويلصقها على شعري، أسمع الآن منها نحيبًا، صوتًا حزينًا، وكأنها تستغيث، أسمعها تطرح نفسها بنفسها، ترتفع ثم تسقط، تتمدد على شعري الأسود، أحزر أنها لن تنزل من مكانها، لكن لا يقين يثبت ذلك، لم يمر على شعري بقعة بهذا العناد والقسوة، كل البقع كانت سهلة الإغراء، ومستعدة للطرد بعد ذلك، في مرة التصقت علكة بلون وردي على جديلتي في المرحلة الابتدائية، عجزت عن أن أتخلص منها، عدت بها إلى البيت، أدى هذا الدخول المفاجئ، الذي تحول إلى بكاء بعد ذلك، إلى أن تقص أمي تلك الخصلات من شعري بعلكته الوردية، يا للبؤس. كنت غاضبة لأنني لم أتخلص منها أنا بدل مقص أمي.
لا يعقل أن هذه البقعة ما زالت فوق رأسي تمارس طيشها بحرية، ما العمل الآن؟ رحت أحاول أن أخلّص تلك الخصلات من هذا الالتصاق الغريب، أجره قليلاً فأسمع تقطع الخصلات بأسى وحنق، أرجعتها مكانها، لا أدري كيف سأخرج من الغرفة، وهي فوق رأسي، بقيت على هذه الحال أربع ساعات متواصلة، أجلس، ثم أقف أمام المرآة التي تخفي هذه الجريمة بحرص.
لماذا المرايا عازفة عن المساعدة؟ أنا في الحقيقة أتفهم سبب عزوف هذه المرآة عن إظهار تلك البقعة.. بشكل فعلي هي لا تستطيع، أعرف ذلك، كلما حاولت أن أُخفض رأسي سقطت نظراتي للأسفل، بقي رأسي ينظر لوجهه ببلاهة، لا أسمع ماذا يحدث في هذه الثواني من حديث قد يوجهه رأسي لصورته، لكني أعرف عدد الأيام، والساعات التي قضيتها في نسيان أثر هذه المادة المشبعة بالجوع، حين قصصت شعري للمرة الثالثة في أقل من أسبوعين.
** **
- موضي العتيبي