مكة المكرمة - واس:
بدأت أعمال القمة الإسلامية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي «قمة مكة: يداً بيد نحو المستقبل»، مساء أمس في قصر الصفا بمكة المكرمة، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-.
ولدى وصول أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والدولة قادة ورؤساء وفود الدول الإسلامية، كان في استقبالهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-.
كما كان في استقبالهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-، ثم التقطت الصور التذكارية بهذه المناسبة.
كلمة خادم الحرمين
عقب ذلك، افتتحت أعمال القمة الإسلامية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الإخوة الحضور.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أرحب بكم في المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومن جوار بيت الله الحرام قبلة المسلمين وفي هذا الشهر المبارك، حيث نجتمع في هذه القمة التي نأمل أن تحقق ما نصبو إليه لأمتنا الإسلامية من عزة وتقدم وأمن وسلام ورخاء وازدهار. ويسعدني أن أشكر فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية على ما قام به من جهود خلال رئاسته للدورة السابقة للقمة الإسلامية. كما أشكر معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي على ما تقوم به الأمانة من أعمال لخدمة التعاون الإسلامي.
الإخوة الكرام.. نستذكر هذا العام مرور خمسين عاماً على تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، التي جاء تأسيسها بعد حادثة إحراق المسجد الأقصى الذي لا يزال يرزح تحت الاحتلال ويتعرض لاعتداءات ممنهجة.
إن القضية الفلسطينية تمثل الركيزة الأساسية لأعمال منظمة التعاون الإسلامي، وهي محور اهتمامنا حتى يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على كافة حقوقه المشروعة والتي كفلتها قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. ونجدد التأكيد على رفضنا القاطع لأي إجراءات من شأنها المساس بالوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف.
أيها الإخوة الكرام.. إن التطرف والإرهاب من أخطر الآفات التي تواجهها أمتنا الإسلامية والعالم أجمع، ويجب أن تتضافر الجهود لمحاربتها وكشف داعميها وتجفيف مواردها المالية بكل السبل والوسائل المتاحة.
وللأسف الشديد يضرب الإرهاب في منطقتنا من جديد، فخلال هذا الشهر الكريم تعرضت سفن تجارية قرب المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة لعمليات تخريب إرهابية، ومن بينها ناقلتا نفط سعوديتان، وهو ما يشكل تهديداً خطيراً لأمن وسلامة حركة الملاحة البحرية والأمن الإقليمي والدولي.
كما تعرضت محطتا ضخ للنفط في المملكة العربية السعودية لعمليات إرهابية، عبر طائرات بدون طيار من قبل مليشيات إرهابية مدعومة من إيران، ونؤكد أنّ هذه الأعمال الإرهابية التخريبية لا تستهدف المملكة ومنطقة الخليج فقط، وإنما تستهدف أمن الملاحة وإمدادات الطاقة للعالم.
الإخوة الكرام.. من المؤلم أن يشكل المسلمون النسبة الأعلى بين النازحين واللاجئين على مستوى العالم جراء الاضطرابات والحروب وانحسار فرص العيش الآمن الكريم في بلدانهم. ومن هذا المنطلق فإن المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال تسعى ما استطاعت إلى الإصلاح وتوفيق وجهات النظر المختلفة خدمة للدول الإسلامية وشعوبها، مع الاستمرار في مد يد العون والمساعدة عبر الجهد الإنساني والإغاثي، حرصاً على سيادة وأمن واستقرار الدول الإسلامية في ظل وحدة وطنية وسلامة إقليمية.
الإخوة الكرام.. إن إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها وإصلاح أجهزتها أصبحت ضرورة ملحة لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية التي تمر بها أمتنا، وبمشيئة الله وتوفيقه ستسعى المملكة العربية السعودية من خلال رئاستها لأعمال هذه القمة للعمل مع الدول الأعضاء والأمانة العامة للمنظمة للإسراع في تفعيل أدوات العمل الإسلامي المشترك تحقيقاً لما تتطلع إليه شعوب أمتنا الإسلامية.
وفي الختام.. أجدد الترحيب بكم جميعاً في بلدكم الثاني، راجياً من الله العلي القدير لقمّتنا هذه النجاح والتوفيق، وأن يبارك في أعمالنا ويوفقنا إلى ما يحقق العزة والأمن والاستقرار والرخاء والتنمية لأمتنا الإسلامية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
** كلمة الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
بعد ذلك ألقى معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين كلمة أعرب خلالها عن تشرفه بمخاطبة قادة منظمة التعاون الإسلامي بمناسبة انعقاد الدورة الرابعة عشرة لقمة منظمة التعاون الإسلامي، في مكة المكرمة. وقال معاليه: «في هذا البلد الحرام، وبجوار الكعبة المشرفة، هنا من منبع الرسالة، ومهبط الوحي، موطن القداسة، وموئل الإجلال دعواتي لكم وللأمة الإسلامية بالقبول والمغفرة في هذه الليالي المباركة، في هذا الشهر الكريم، ويسعدني أن أتقدم لكم، قادتنا الأجلاء، بأسمى عبارات التهاني والتبريكات بمناسبة قرب حلول عيد الفطر المبارك، سائلاً المولى - عز وجل - أن يعيده عليكم وعلى الأمة الإسلامية باليمن والبركات، وأن يجعل مؤتمرنا المُنعقد في هذه الليلة الفضيلة، فاتحةَ خيرٍ وأمنٍ ورفاهٍ لشعوبنا وبلداننا الإسلامية.
وأضاف: «كما يشرفني، أن أتوجه لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أصالة عن نفسي، وباسم منظمة التعاون الإسلامي، بخالص التهاني بمناسبة تولي رئاسة هذه القمة، انعكاسا للمكانة وللقيادة الروحية للمملكة في العالم الإسلامي، رافعاً لمقامكم الكريم جزيل الشكر والامتنان لتفضلكم بالتوجيه باستضافة هذا المؤتمر في المملكة العربية السعودية، وبجوار بيت الله العتيق، قبلة المسلمين، ومأوى أفئدة مليار ونصف المليار مسلم، يأتي ذلك، سعياً من المملكة العربية السعودية بقيادتكم الحكيمة، وسمو عضدكم الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - حفظكما الله - لتعزيز أواصر التضامن بين بلداننا الإسلامية، ودعم العمل الإسلامي المشترك، مُسهمين مع أشقائكم ملوك ورؤساء الدول الإسلامية، في لمّ شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم لما فيه خير وصلاح وازدهار الأمة الإسلامية والعالم أجمع.
وثمن الدكتور العثيمين عالياً حرص المملكة العربية السعودية التي تستضيف مقر المنظمة، على دعم منظمة التعاون الإسلامي وتعزيز دورها في محيطها الإقليمي والدولي بما توفره من تسهيلات وإمكانيات تسند عمل الأمانة العامة.
وأعرب معاليه عن ثقته في أن تشكل هذه القمة الإسلامية الرابعة عشرة - بمشيئة الله - علامةً فارقةً في تاريخ المنظمة التي تتوّج عامها الخمسين، بما يحدونا جميعا من إرادةٍ صادقةٍ، وعزيمةٍ قوية، للتعاضد يداً بيد نحو مستقبل أفضل لشعوب دولنا، وموقف موحّد تجاه قضايا عالمنا الإسلامي، مقدماً الشكر للجمهورية التركية على رئاستها للدورة السابقة للقمة، وما قامت به من جهود.
وأشاد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي بجهود أصحاب الجلالة والفخامة رؤساء اللجان الدائمة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي : لجنة القدس، واللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي، واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري، واللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية، على قيادتهم باقتدار لشؤون هذه اللجان المهمة.
وأوضح معاليه أن مسيرة العمل الإسلامي المشترك - بفضل الله - حققت من خلال الجهود الخيرة والدؤوبة للدول الأعضاء بالتعاون والتنسيق فيما بينها، وفي إطار المنظّمة، حصيلة إيجابية في مختلف المجالات، وزخما متواصلا في معالجة قضايا العالم الإسلامي، والتعاطي الفاعل مع الأوضاع السائدة على المستويين الإقليمي والدولي، غير أنّ منطقة العالم الإسلامي ودولها تقع في قلب التداعيات الخطيرة لتقلبات هذه الأوضاع، التي تفاقمت بسبب الأزمات والتحديات القائمة.
وقال الدكتور العثيمين: «هذا الوضع يستوجب، أكثر من أيّ وقت مضى، مواصلة الجهود والبناء على ما تحقق، في تضامن إسلامي متين، قوامه الروابط الأخوية الوثيقة التي تجمع بين البلدان الإسلامية، وسنده القيم الإسلامية السمحة، والتكافل لمواجهة مختلف التحديات، ومعالجة أوضاع المنطقة، ونصرة قضايانا العادلة، وتسوية الأزمات بالطرق السلّمية، بما يدرأ المخاطر التي تهدّد شعوبنا وأمن واستقرار بلداننا، ومصالح منطقتنا «.
وبين أن في مقدمة هذه التهديدات، آفتي الإرهاب والتطرف، طاعون العصر وسرطانه، اللتين مازالتا تتربصان بالأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ولا أدلّ على ذلك من العمليات الإرهابية التي شهدتها دول غير إسلامية، والتي أثبتت أن الإرهاب لا دين له أو جنسية أو عرق. وقد كان أبرزها الحادث الإرهابي الذي وقع شهر مارس الماضي وراح ضحيته خمسون آمناً من المصلين في مسجدين بنيوزلندا.
وأضاف أن المملكة العربية السعودية شهدت اعتداءً إرهابياً آثماً على محطات الضخ البترولية، مستهدفةً مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية، كما تعرضت أربع سفن تجارية لأعمال تخريبية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، مهددةً أمن وسلامة حركة الملاحة البحرية العالمية.
مجددًا إدانة منظمة التعاون الإسلامي الشديدة لهذه الأعمال الإرهابية، وداعيا المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته للحفاظ على السلم والأمن في المنطقة.
وتطرق الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي في كلمته إلى المحاولات التي تقوم بها الميليشيات الإجرامية الحوثية لاستهداف المملكة ، موجهةً صواريخها الإرهابية إلى أقدس بقاع الأرض، ومستهدفةً مهوى أفئدة ملايين المسلمين المعلقة أرواحهم في هذا المكان الطاهر. وأشار معاليه إلى ما أقرته منظمة التعاون الإسلامي في الاجتماعين الوزاريين الطارئين اللذين عقدا في مكة المكرمة وجدة عامي 2016، و2018 لبحث تداعيات إطلاق ميليشيات الحوثي صواريخ باليستية على مدن المملكة، باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات الآثمة في المستقبل، وطلبت من جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات جادّة وفعّالة لمنع حدوث أو تكرار مثل هذه الاعتداءات.
وأكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أن المساس بأمن المملكة العربية السعودية، كدولة عضو في المنظمة، ومقر لها، إنما هو مساس بأمن وتماسك العالم الإسلامي بأسره. مؤكداً تضامن المنظمة التام مع المملكة في كل ما تتخذه من إجراءات للدفاع عن أمنها واستقرارها اتساقاً مع ميثاقي منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة. وقال : «إن المنظمة تجدد رفضها المطلق للمحاولات المقصودة لربط ديننا الإسلامي الحنيف بالأعمال الإرهابية، التي تقترفها جماعات إجرامية مارقة لا علاقة لها بالإسلام وتعاليمه النيّرة وقيمه السمحة»، مشيراً إلى الدور المهم الذي يضطلع به مرصد الإسلاموفوبيا ومركز صوت الحكمة في الأمانة العامة الذي يسهم في نشر قيم الاعتدال والوسطية، والمساهمة مع الأجهزة التي نشأت في بعض دولنا لنشر الصورة الصحيحة للإسلام النقي الصافي، دين الاعتدال والوسطيّة والمحبة والتسامح والعيش المشترك، ديننا الذي لا يتعارض مع ضرورات العصر، ويواكب مستجداته بما ينفع البشرية.
وأكد معاليه أن القضية الفلسطينية ستبقى في أعلى سلم أولويات العمل الإسلامي بالنظر لمكانتها المركزية لدى جميع الدول الأعضاء. وأضاف أن القمة الإسلامية تعقد في ظرف حرج نظرا لما تشهده قضية فلسطين والقدس الشريف من تحديات سياسية واقتصادية وإنسانية لا سيما استمرار انغلاق المسار السياسي نتيجة مواصلة حكومة الاحتلال الإسرائيلي تنكرها لقرارات الشرعية الدولية، من خلال انتهاكاتها ضد المسجد الأقصى المبارك، وتصعيد الممارسات العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. وفيما يخص القضية الفلسطينية قال الدكتور العثيمين: «إن سلاماً عادلاً وشاملاً، هو الحل الأمثل، ضمن مفاوضات تأخذ في الحسبان المبادرة العربية، ورؤية حل الدولتين، في قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو - حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية .
وشدد معاليه على الدور الذي تقوم به وكالة الأونروا وضرورة دعمها سياسياً ومالياً لتمكينها من الوفاء بولايتها الأممية، مشيداً بقرار إنشاء صندوق الوقف الإنمائي لدعم اللاجئين الفلسطينيين، تحت إدارة البنك الإسلامي للتنمية، آملين أن تقوم دولنا الأعضاء بتقديم مساهمات مالية في رأس مال الصندوق.
وقال معاليه : أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ؛ إن تقرير الأمانة العامة، المرفوع إليكم، يتضمن حصيلة عمل المنظمة وتحركاتها لمعالجة مختلف القضايا والمسائل المرتبطة بالعمل الإسلامي المشترك، وكذلك تطورات الأوضاع في بلداننا الأعضاء على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية. وأضاف : وأجدد، من هذا المنبر، التعبير عن اهتمامنا البالغ ومتابعتنا المستمرة لكل القضايا والمستجدات الحاصلة في عدد من الدول الأعضاء، والانتهاكات المتواصلة في جامو وكشمير، والوضع في إقليم ناغورنو كاراباخ، ومعاناة جماعات الروهينجيا التي حُرمت من حقوقها الأساسية، وفي مقدمتها حق الحياة، علاوة على بقية التطورات الجارية في عدد من دول المنطقة وأوضاع المجتمعات المسلمة في العالم، وأجدد التأكيد على ثبات مواقف المنظمة بخصوص هذه القضايا طبقا للمبادئ العامة للميثاق، وعلى ضوء القرارات المعتمدة من قبل القمم الإسلامية، ومجالس وزراء الخارجية، والقرارات الأممية ذات الصلة، مع الإشادة بكل دعم إنساني وإنمائي سخي قدمته بعض دولنا الأعضاء عبر مراكزها وصناديقها المتخصصة لدولنا المحتاجة.
وتابع معاليه يقول : وتسعى المنظمة من خلال التشاور مع الحكومة العراقية لتنظيم مؤتمر إعادة الإعمار في العراق، كما تشيد المنظمة باستئناف جلسات مجلس النواب اليمني كخطوة في طريق استعادة وتعزيز مؤسسات الدولة اليمنية، في إطار جهود دعم الشرعية وفق القرارات الخليجية والأممية الصادرة بهذا الشأن، وجهود قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وجهودها الإنسانية السخية في اليمن.
وأكد معاليه أن منظمة التعاون الإسلامي تجدد العزم على مواصلة تطوير العلاقات والمشاورات مع الهيئات الدولية والإقليمية، خاصة مع منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية في آسيا وكذلك الاتحاد الأوربي، لما يخدم المصالح المشتركة، ويحقق السلام العالمي.
وقال الدكتور العثيمين : إن ما يشهده عالمنا الإسلامي وبكل أسف من حروب ونزاعات وانقسامات لا يجب في أي حال من الأحوال أن يعطل مسيرة التنمية والتطور الاقتصادي في الدول التي تشهد استقرارا وتطلعا إلى ضمان الرفاه والتنمية لشعوبها، وتعمل المنظمة من جهتها وحسب التوجهات التي تم إقرارها في القمم والاجتماعات الوزارية السابقة إلى توفير الأطر المناسبة للدول الأعضاء لتعزيز علاقاتها الاقتصادية، وتطوير التجارة البيْنية، وإصلاح هيكلة اقتصاداتها.
وأشاد معاليه بالدور الذي يضطلع به البنك الإسلامي للتنمية وصندوق التضامن الإسلامي اللذان لهما برامج ثرية وعملية تعود بالنفع على الشعوب الإسلامية وحققا، بفضل الله، نتائجَ ومشاريعَ ملموسةً في عدة مجالات تستحق الإشادة والتقدير. كما أثنى معاليه على المشاركات الثرية للدول الأعضاء في مهرجان المنظمة المنعقد في دورتيه الأولى والثانية، معرباً عن شكره للدولتين المستضيفتين للمهرجان : جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيداً بالاهتمام منقطع النظير الذي حظي به هذا الحدث الأول من نوعه الذي مثّل مناسبةً للتأكيد على أن الحضارة الإسلامية، الضاربة بجذورها عمق التاريخ، هي حضارة متكاملة، ذات قيم خالدة، أنارت على مر الزمان العالم بالعلوم والآداب والفنون، والاحتفاء بها لا يتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي الصافي النقي المعتدل.
وأعرب معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي عن ارتياحه لما تقوم به الدول الأعضاء من جهود مقدرة لتعزيز دور المرأة وتوسيع مجالات مشاركتها في جميع الميادين، مشيراً إلى أهمية استكمال إجراءات المصادقة على النظام الأساسي لمنظمة تنمية المرأة، حتى يدخل حيز التنفيذ، ويمكن منظمة تنمية المرأة من مباشرة نشاطها.
وقال الدكتور العثيمين : نجتمع اليوم وشعوب العالم الإسلامي تعلق آمالا عريضة على توصل قمتنا لنتائج تعزز من مسيرة العمل الإسلامي لمواجهة تحديات المرحلة، وأذكّر بأهمية تنفيذ الخطة العشرية 2025 التي تم اعتمادها في الدورة السابقة لمؤتمر القمة التي نعمل مع كل الأطراف المعنية على تنفيذها.
وأضاف : لقد كانت منظمتكم ولا زالت منذ إنشائها الإطار الجامع لعملنا الإسلامي المشترك، ولبلورة مواقفنا، وتأكيد مكانتنا بين الأمم ، واليوم، ونحن نحيي الذكرى الخمسين لتأسيسها، والاحتفال الذي سينطلق، بمشيئة الله، من دولة مقرها المملكة العربية السعودية، نجدد حرصنا، بدعمكم جميعا، على مواصلة هذه المسيرة لتطوير آليات العمل الإسلامي المشترك، وإضفاء فاعلية أكبر على أدائه، من خلال إطلاق وتنفيذ مسار الإصلاح الشامل لأجهزة المنظمة وآليات عملها. وتابع يقول: نحن على ثقة تامة أن المملكة العربية السعودية، التي عَهِد منها الجميع دورا رياديّا ومركزيّا في إعلاء مكانة الإسلام والمسلمين، ونصرة الحق، وتغليب الحوار، وتركيز سنّة التضامن الإسلامي، ستواصل دورها، بإذن الله، خلال رئاستها لهذه الدورة، بكل عزمٍ واقتدارٍ، لمواجهة التحديات الراهنة، بحكم ريادتها الروحيّة للعالم الإسلامي، ومكانتها السياسية والاقتصادية المتميزة في العالم.
وفي ختام كلمته قال الدكتور العثيمين: نحن على هذه الأرض الطيبة، وفي هذا الشهر الكريم، وهذه الليلة المباركة، مستشعرين فضل الزمان وشرف المكان، كلي ثقة، بمشيئة الله، في قدرتكم أنتم أصحاب الجلالة والفخامة والسمو على تحقيق تطلعات شعوبنا، وآمال مجتمعاتنا، والحفاظ على مصالح بلداننا، لتبقى سالمةً آمنةً مزدهرةً ومستقرة.. اللهم اجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.. كشف الله الغمّة عن الأمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الرئيس المصري
وقد تضمنت القمة عددا من كلمات قادة ورؤساء وفود الدول الإسلامية، حيث أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التمسك بحل شامل للقضية الفلسطينية ومنع متاجرة الإرهابيين بحقوق الفلسطينيين، مشددا على ضرورة التمسك بحل عادل وفق رؤية الدولتين والقدس عاصمة لفلسطين، وقال إن القمة الإسلامية التي تشكل محط أنظار العالم ستنهض بمسؤوليات الأمة.
وفي حين أدان الرئيس المصري محاولة الميليشيات الحوثية استهداف أمن المملكة، أكد أن مصر لن تدخر جهدا لدعم منظمة التعاون الإسلامي، وأضاف أن التحديات التي يواجهها عالمنا الإسلامي تتطلب منا الوحدة.
وأكد الرئيس المصري على ضرورة بذل جهد مواز لمواجهة ( الإسلاموفوبيا ) ومحاولة إلصاق الإرهاب بأمتنا الإسلامية، مشددا على ضرورة مواكبة التحديات العصرية وتمكين دور المرأة وتعزيزه.
كلمة أمير الكويت
من جهته أعلن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح التمسك بحل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وثمن سموه دور السعودية في استضافة وإنجاح القمة الإسلامية، وأدان الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط قبالة السواحل الإماراتية. وقال إن 61 في المئة من النازحين حول العالم هم مسلمون. وأضاف أمير الكويت أن منطقتنا وأمتنا الإسلامية تمر بتحديات غير مسبوقة ومخاطر كبيرة، مشددا على ضرورة التعامل مع التطورات بقدر كبير من الحيطة والنأي بالمنطقة عن التوتر.
ودعا أمير الكويت المجتمع الدولي إلى تفعيل جهوده لدفع مسار السلام، وأعلن عن دعم جهود المبعوث الأممي إلى سوريا للتوصل إلى حل وفق القرارات الدولية.
كلمة ملك الأردن
من جانبه أكد ملك الأردن أهمية توحيد الجهود لتمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم ودعم قضيتهم، وقال إن المبادرة العربية للسلام التي تبتها منظمة التعاون تؤكد على حل الدولتين وتأسيس دول فلسطينية في حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس.
وشدد العاهل الأردني على الظروف الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون، مطالبا بدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تقدم العون لحوالي 5 ملايين فلسطيني، وأشار إلى ضرورة التصدي لأي محاولة لفرض أي واقع جديد على مدينة القدس.
كلمة ملك البحرين
فيما أعلن ملك البحرين أن العالم الإسلامي يمر بمرحلة تاريخية ودقيقة، وأضاف أن الظروف الإقليمية الراهنة تتطلب حلولا فورية للأزمات. وأكد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية وفقا للمرجعيات الدولية ذات الصلة. وطالب بالوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وحث المجتمع الدولي على مساعدة دول المنطقة على ضمان ضخ النفط، في إشارة للهجمات التي طالت ناقلات نفط قبالة الإمارات ومحطتي نفط في السعودية.
وشدد ملك البحرين على ضرورة الالتزام بمبدأ حسن الجوار واستقلالية الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
كلمة رئيس وزراء باكستان
من جانبه قال رئيس وزراء باكستان إنه يجب على المجتمع الدولي أن يحرص على احترام مشاعر أكثر من مليار مسلم.
وقال «نتمسك بحل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، وطالب المجتمع الغربي بالتمييز بين المسلم المعتدل والمتطرف.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني إن بعض الدول الغربية تعاني من ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وأضاف بالقول : ألصقت بالفلسطينيين تهمة الإرهاب خلال نضالهم ضد الاحتلال.
وشدد رئيس وزراء باكستان على ضرورة استثمار مواردنا في عالمنا الإسلامي وعلى رأسها التعليم.
قرار بشأن قضية فلسطين
وقد صدر قرار بشأن قضية فلسطين والقدس الشريف عن الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي (قمة مكة : يداً بيد نحو المستقبل) التي عقدت مساء أمس في قصر الصفا بمكة المكرمة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله -، أكد أن السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، كخيار استراتيجي لن يتحققا ألا بانسحاب إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، الكامل من أرض دولة فلسطين المحتلة منذ العام 1967، وفي مقدمتها القدس الشريف، وفق القانون الدولي وما نصت عليه القرارات الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية بعناصرها كافة، وتسلسلها الطبيعي كما وردت في قمة بيروت في العام 2002، والتي نصت أن السلام مع إسرائيل يجب أن يسبقه إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967 ، بما فيها القدس الشرقية، واعترافها بدولة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير المصير وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وفق القرار 194 (1948) .
وأكد القرار عزمه اتخاذ كافة الخطوات العملية المطلوبة لتحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس المرجعيات الدولية المتفق عليها، بما في ذلك من خلال العمل مع الشركاء الدوليين على صيانة وتعزيز الإجماع الدولي للحل السياسي، وفي هذا الصدد يعرب عن دعم المبادرة التي قدمها فخامة الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، في مجلس الأمن عام 2018، لإطلاق عملية سياسية ذات مصداقية من خلال آلية دولية متعددة الأطراف.
ودعا القرار الأطراف الدولية الفاعلة إلى الانخراط في رعاية مسار سياسي، وتأسيس آلية دولية متعددة الأطراف بهدف إطلاق عملية سلام ذات مصداقية، ومحددة بإطار زمني واضح، تهدف إلى تحقيق السلام القائم على حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري الذي بدأ عام 1967 على أساس المرجعيات المتفق عليها لعملية السلام وقرارات الأمم المتحدة، ومبدأ الأرض مقابل السلام. وأكد القرار أن أي مقترح يقدم من أي طرف كان، لا يتسق مع المرجعيات الدولية المتفق عليها والتي تقوم عليها عملية السلام في الشرق الأوسط، مرفوض، ولن يحقق أية نتائج وسيكون مصيره الفشل، ويدعو في هذا الصدد الدول الأعضاء إلى التصدي لأي ضغوط سياسية أو مالية على الشعب الفلسطيني وقيادته لفرض حلول غير عادلة للقضية الفلسطينية وتمس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير والاستقلال.