من حكمة الله سبحانه أن فاضل بين خلقه زماناً ومكاناً؛ ففضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض.. ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور؛ فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة، ومزايا كبيرة؛ فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون .
ولقد عمت الفرحة جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بقدوم الضيف العزيز على النفوس الذي يشتاق له المسلمون في كل شبر من هذه البسيطة، وكلنا يتلهف لقدومه، ونقول له أهلاً وسهلاً بشهر الخير شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر (اللهم بلّغنا ليلة القدر يا كريم). هذا شهر رمضان، خصنا الله به من بين الأمم. ولهذا الشهر المبارك فضائل عديدة.. فمن فضائله مضاعفة الحسنات إلى أضعاف كثيرة، وأن لياليه أفضل ليالي السنة على الإطلاق، وأن ليالي رمضان أفضل من أيام رمضان لوجود ليلة القدر فيها. وأيضاً من فضائله العمرة؛ فإن العمرة فيه فضلها عظيم؛ لما رواه مسلم في صحيحه: «عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي». وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوصي بالعمرة في رمضان.
وإن من فضائله قبول الدعاء فيه، وأن رمضان مَوطن من مَواطن الإجابة «للصائم عند فطره دعوة لا ترد». وهو شهر رمضان الذي انتصر فيه المسلمون في غزوة بدر على أعدائهم رغم قلة عددهم وعدتهم، وكثرة عدد المشركين وعتادهم، ولكنهم يحملون بين جنباتهم قلوباً لا تخشى في الله لومة لائم، ولا تخشى الموت. وكل ذلك لجعل كلمة الله هي العليا.
والعشر الأواخر من شهر رمضان لها فضل كبير بدون شك.. وإنه قد خسر وخاب من أضاع هذه الليالي العشر بالسهر على الملهيات وعلى اللهو الباطل، وأضاع هذا الوقت الثمين فيما لا ينفع. إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها؛ ففي صحيح مسلم عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها. وفي الصحيحين عنها قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله».