محمد آل الشيخ
كنت قد عقدت العزم بألا أكتب من الصحوة، لأنها اليوم انكشفت، واتضح للجميع، بمن فيهم بعض معتنقيها، أنها في غرفة الانعاش. إلا أن أحد الأصدقاء نبهني إلى نقطة غاية في الأهمية متصلة بالموضوع، وهي ما سوف أتناوله في مقالي هذا، ومؤداه أن غياب (الصحوة) ستخلق فراغا فكريا لدى كثير من السعوديين، وبالذات الأجيال الشابة منهم، إذا لم تأتِ فلسفة حياتية لتملؤه، وتجيب عن أغلب الأسئلة التي تدور في ذهن المواطن، والتي حاولت الصحوة أن تجيب عنها بما يحقق نواياها المشبوهة وفشلت؛ والأخطر أن تأتي تيارات انتهازية أخرى، تستغل هذا الفراغ بالشكل الذي يهدف إلى النيل من أمن الوطن واستقراره بالذريعة القديمة الجديدة وهي الإصلاح؛ لا سيما وأن الفكر الصحوي سعى في العقود الأربعة الماضية بكل قوة إلى أن يهدم كل منجزات الثقافة المعاصرة، بمختلف توجهاتها، بحجة التغريب، ويجعل الإنسان السعودي ينتهي إلى أنْ ليس أمامه إلا الصحوة ليكون مسلماً حقيقياً يفوز بالدنيا والآخرة معاً، ويتبنى ثقافة الصحوة، التي تسعى إلى إحياء (دولة الخلافة) غير آبهة باختلاف الزمان والمكان عن زمان الخلافة واختلاف عوامل بقاء الدول.
هذا الفراغ الذي أتحدث عنه قد يتجه في تقديري إلى نفس التوجه التمردي ولكن بثوب جديد، تحت مسميات أخرى، تتماهى مع توجهات ومزاج العصر، ولكنهم سيخلطونها بما يسمى (حقوق الإنسان)، بعد أن تبين لهم أن العالم اليوم خاصة مجتمعات الغرب والشرق معاً لا يحفلون بالقضايا الدينية ولا دعاتها، قدر اهتمامهم بحقوق الإنسان. وهذا في رأيي أقرب التوقعات للأسلوب الذي من المتوقع أن فلول الصحويين سينتهجونه، بعد أن أقروا بهزيمتهم إن تصريحاً، أو تلميحاً.
وقضايا (حقوق الإنسان) التي يزعم الغربيون أنهم يدافعون عنها هي كلمة حق في ظاهرها أريد بها باطل في مضمونها وأهدافها البعيدة، إضافة إلى أن الغرب اخترعها في حقبة الحرب الباردة لتكون سلاحاً تبريرياً لحربهم ضد الاتحاد السوفييتي والدول التي تدور فلسفياً في فلكه. وإلا فإن هناك من الجرائم التي اقترفها الغرب ولا يزال يقترفها حتى اليوم، بالشكل الذي قد يتجاوز ما يمارسه من ينتقدونهم في خطاباتهم التحريضية على بعض الدول المستهدفة من قبلهم، غير أن هذه التبرير سيستغلونه استغلالاً انتهازياً، سواء من هم في الداخل أو من هم في الخارج، الأمر الذي يتطلب أن يكون لدينا (قوة ناعمة) حقيقية تواجه هؤلاء الانتهازيين في مراحل بداياتهم.
وعلى أية حال فإننا يجب أن نعترف أننا تساهلنا وتسامحنا كثيراً مع الصحويين وخطابهم السياسي التخريبي والمتخلف أكثر مما يجب، فلو أن الدولة بعد هزيمة صدام وانتصارنا عليه وعليهم ضربت بيد من حديد وتعاملت معهم كما يتعامل العهد الآن، وبالذات مع من يمولونهم بالأموال، لما وصلنا إلى هذه التداعيات الخطيرة التي انتهينا إليها، لذلك فإن التعامل مع هذه القضايا التي أشرت إليها آنفاً بالتأني والصبر و(طولة البال) سيجعلها تكبر وتتضخم حتى تصبح مواجهتها والقضاء عليها أصعب وبكثير مما لو واجهناها وهي في بداياتها.
المهم أن ندرك منذ البداية ثلاث نقاط: أولها: أن الصحوة بشكها الذي عرفناه خلال الأربعة عقود الماضية انتهت. النقطة الثانية: أن فلولها ستعود في ثوب جديد وتتلافى أغلب أخطائها. النقطة الثالثة: أننا يجب أن نكون متيقظين لها ومبادرين للقضاء عليها وهي في بواكيرها قبل أن تستفحل.
والشيء المطمئن لأمثالي وللوطنيين أننا نعيش عصراً جديداً، عادت فيه الدولة إلى هيبتها، التي كاد (التسامح) أن يقضي عليها في الماضي, وهنا بيت القصيد.
إلى اللقاء