محمود شومان
قبل سنوات من الزحف الألماني النازي ناحية فرنسا وردت التقارير الاستخباراتية إلى الجنرال فيليب بيتان أن في ألمانيا جنرالاً نازيًا متعصبًا يدعي أدلف هتلر يريد أن يثأر لبلاده من الهزيمة في الحرب العالمية الأولى أمام فرنسا التي كان لبيتان فيها حظ وافر بعدما أوقف زحف الألمان عند فردان لكن بيتان لم يلتفت إلى تلك التقارير وهز وزير الدفاع العجوز رأسه قائلاً: دعوا هتلر ولا تصدقوه.. إنه يرفع شعارات لمجرد الاستهلاك المحلي.
وبعد أسابيع قليلة عن هذا عادت التقارير للورود مرة أخرى: أن الجنرال النازي يقوم الآن بترتيب وإعادة تنظيم صفوف قوات الجيش الألماني وهو يعتمد على سلاحين بالأساس هما الدبابة والطائرة ولكن الجنرال المجرب والخبير العجوز يقول: هذا كلام فارغ.. لا يجب أن تنزعجوا له ان الطائرة بالرغم من جناحيها تسقط دائمًا على الأرض والدبابة هي مجرد مركبة لا تمثل خطورة في الحرب.. حتى دخل عليه ضابط صغير الرتبة «شارل ديجول» مقارنة بالجنرال الخبير يقول له: سيدي إن الدبابة والطائرة ستصبحان سلاحي الحرب القادمتين.
لكن الجنرال الخبير هز رأسه مستنكراً عليه: من قال لك أولاً إن الحرب ستندلع؟ أنت لا تفهم شيئًا عن الحرب أنت مجرد طفل.
وقاد الجنرال الخبير الجيش الفرنسي أولاً إلى تجاهل هتلر ثم إلى الحياد ثم إلى الاسترضاء فلم تمض شهور بعدما انتزع الجنرال النازي النمسا وبولندا حتى اتجهت أنظاره إلى فرنسا واستولى عليها واستدعت الحكومة الفرنسية الجنرال الخبير لتسأله: فلم يجب إلا بضرورة التسليم للجيش النازي ببساطة: فهو أقوى منا الآن.
وكانت نتيجة هذا التقدير الخاطئ للحكومة الفرنسية التي اعتمدت على الجنرال العجوز أن سقطت فرنسا في أيدي النازيين.
وعقب الحرب العالمية الثانية حكم على هذا الجنرل بالموت بتهمة الخيانة العظمى نتيجة للتقدير الخطأ في عام 1945، ولكن شارل ديجول الذي ترأس حكومة فرنسا الحرة في لندن في 18 يناير استبدل الحكم إلى السجن مدى الحياة. ليظل محتجزًا حتى فارق الحياة سنة 1951 عن عمر يناهز 95 عامًا.
الآن وفي عام 2019 يبدو أن النظام الإيراني «المتغطرس» يصر على الوقوع في خطأ الجنرال العجوز من خلال خطأ التقدير للوضع الحالي المتازم الذي يبدو واضحًا من اللهجة والتصريحات للمسؤولين الإيرانيين التي يغلب عليها التوهين من الحشد العسكري الهائل للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط غير المسبوق لمواجهة التهديدات الإيرانية لمصالحها.
فإذا كان السؤال هل ستشهد المنطقة حرباً خلال الأيام المقبلة: فإن الاستعداد لتلك الحرب بدأت بالفعل.. والحجج لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإشعال الحرب جاهزة... وترسانة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط كفيلة للقيام بالحرب.. والقطع العسكرية في مياه الخليج على أهبة الاستعداد.
إذًا ليس من الطبيعي حالة التوهين تلك ففي الولايات المتحدة نظام مؤسسي يحاسب الرئيس والإدارة على تلك التحركات والحشد العسكري الذي يكلف المليارات ومن المستحيل أن يكون من قبيل التهويش أو مداعبة النظام الإيراني غير المدرك لحقيقة أن الولايات المتحدة لا مجال فيه للعبث خصوصًا في الشأن العسكري.
فبينما يتزايد التوتر بين واشنطن وطهران تنقل الوكالة الإيرانية الرسمية للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نفيه يوم السبت الماضي احتمال اندلاع حرب في المنطقة قائلاً إن طهران لا تريد الصراع وإنه لا يمكن لأي دولة «أن تتوهم أن بوسعها مواجهة إيران».
التصريحات التي لا يتوقف عنها مسؤولو النظام الإيراني بين لحظة وأخرى.. هل إيران على هذا القدر من القوة العسكرية التي تجعلها كفيلة بإلحاق هزيمة وصفها بعض مسؤولي النظام إنها ستكون ساحقة للولايات المتحدة.. بالطبع لا وبالأصل لا يوجد مجال للمقارنة بين القدرات العسكرية للولايات المتحدة والنظام الإيراني الذي يعتمد على الوكلاء في مواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة وإن حدثت تلك المقارنة فهي ليست إلا من قبيل العبث.
وهل النظام الإيراني من الأساس قادر على الصمود فقط وليس حتى مجرد المواجهة في حال اندلاع حرب مع الولايات المتحدة.. بالطبع لا ولم يخطئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما أكد أنه في حال اندلاع حرب ستكون النهاية الرسمية للنظام الإيراني خاصة مع حالة الجمود وعدم الوضوح في موقف حلفاء النظام الإيراني «روسيا والصين» التي تعرضتا أيضًا لعقوبات اقتصادية من الولايات المتحدة.
والحال الاقتصادي بالنسبة لإيران والنظام هناك من الحال العسكري في أي مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، فالاقتصاد الإيراني لن يحتمل يومًا واحدًا في حال اندلاع حرب ستكون مدمرة بالطبع بين الطرفين هو الاقتصاد المتوقع وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي أن يكون الأكثر انخفاضًا والأسوأ في 2019 وقال صندوق النقد الدولي (IMF) إن نمو الناتج المحلي الإجمالي في إيران أسوأ مما تم توقعه في التقارير الأخيرة، وأن الناتج الإجمالي لإيران سيتقلص بنسبة 3.8 % خلال العام الحالي ويتوقع الصندوق أن يصل الانكماش إلى 6 %.