د. عيد بن مسعود الجهني
تمدد الدولة -أي دولة- خارج حدودها ومد أذرعها للتدخل في شؤون دولة أخرى للتوسع الجغرافي أو حتى إرغامها لتسير في فلكها ومدها بالأسلحة والدعم الاقتصادي والسياسي.. إلخ، قد يستمر لسنوات أو لعقود، وهذا الدور الخطير لعبته الإمبراطورية السوفيتية (السابقة) بشيوعيتها التي اعتبرت أن الدين هو أفيون الشعوب.
وقد كانت النتيجة الحتمية تغلب العنصر الاقتصادي على (القوة) السوفيتية فلم تستطع الاستمرار في مد واقعها الاقتصادي لدعم الدول التي اختارت المذهب الاشتراكي عنوانًا بارزًا لسياساتها الداخلية والخارجية، وعندما غلب الأمر على الفلسفة الشيوعية بالسقوط المدوي، وانهارت نظرية ماركس والاتحاد السوفيتي (السابق) تهاوت معه تلك الأنظمة ومنها بالطبع بعض الأنظمة العربية للأسف.
وإذا كان هذا هو مصير الشيوعية فإن أمامنا مثالا يقترب منه وإن كان لا يتطابق معه - إنه المثل الإيراني فمنذ ثورة الخميني 1979 بدأ الخيال يداعب الرجل.. خيال دولة فارسية ممتدة الأركان في بعض الدول العربية.
وقد صدت الحرب العراقية - الإيرانية تلك الأطماع، لكن احتلال بلاد الرافدين عام 2003 فتح الباب مشرعًا لأطماع طهران فأصبح لها أذرعها في ذلك البلد وفي الشام ولبنان واليمن، فالميليشيات في تلك الدول تأتمر بأوامر خامينئي.. وتتلقى دعمها المادي والعسكري مباشرة من النظام الإيراني.
واذا كانت اليوم طهران تعيش عزلة اقتصادية قد تأتي على الأخضر واليابس في بلاد الملالي.. فإن هذا من صنع أيدي قادة إيران أنفسهم، وكما يقول المثل (جنت على نفسها براقش).
العقوبات الاقتصادية - بسبب ملفها النووي حطت رحالها على العملة الإيرانية لتفقد أكثر من 50 في المائة من قيمتها، والبطالة رفعت رأسها عاليا ناهيك أن نسبة الفقر بلغت أكثر من 40 في المائة وإذا كان تصدير النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني بحوالي 70 في المائة قد يصبح (صفرا) فإن الحالة الاقتصادية قد تفوز بلقب (الكارثة المحققة) التي تلحق بإيران وشعبها وتحطم كل أحلام (القوة) التي تدعي إيران أنها (تملكها).
لكن هل القوة تعني طيارة مسيرة استطاعت إيران تصنيعها لتعلن أنها بلغت (الثريا)؟ بعلم العسكرية هذا النوع من الطائرات أول من استخدمه الأمريكان خاصة في الحرب ضد داعش وتكلفة صناعة مثل هذه الطائرات متدنية جدًا ولا تعتبر أنها ثورة في العلوم العسكرية، صحيح أن صناعتها في المستقبل قد تشهد تطورًا يجعل بإمكانها حمل مواد كيميائية أو جرثومية محدودة لكن في علم التسليح لكل سلاح ضده، وإذا كان بإمكانها التخفي إلى حد ما من قبضة الرادارات في بعض الأحيان فإن ذلك ليس سرًا عسكريًّا خطيرًا.
ثم إن إيران منذ إعلانها 1979 تدعي أنها قوة ذات شأن فقد جاء وقت اختبارها رغم أنها اختبرت على أرض الواقع في اليمن وصواريخها التي تجاوزت الـ200 وجهتها إلى بلاد الحرمين الشريفين، بل إن أحدها وجه إلى قبلة المسلمين مكة المكرمة، وجميع تلك الصواريخ كانت ضحية الدفاعات السعودية فأسقطتها جميعًا.
وأي خبير في التسليح الجوي يدرك أن السلاح الجوي الإيراني غير قادر على مقارعة السلاح الجوي في إحدى الدول العربية، وإنه (مثلا) في مواجهة السلاح الجوي السعودي يصبح الأضعف لا محالة.
وإذا كانت إيران تحذر بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من يقترب أذرعا من قواتها البحرية الضاربة على حد قول قادتها العسكريين ومنهم بالطبع الحرس الثوري وغيره من الفصائل، فلماذا عندما بدأ الحبل يطوق عنق القادة في ذلك البلد أسرعوا لسحب بعض قواربهم التي تحمل صواريخ مجنحة.
ومن يتابع تصريحات السياسيين والعسكريين في ذلك البلد يجد التخبط الشديد في تلك التصريحات النارية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وكلها للاستهلاك الإعلامي، خاصة بعد أن أبحرت حاملة الطائرات (إبراهام لنكولن) إلى مياه الخليج العربي، تلك البارجة التي ضربت العراق عام 1991 ضمن عاصفة الصحراء لتحرير الكويت الشقيقة، فهل إيران قادرة على مقارعة تلك الأسطورة العسكرية لوحدها.. بالطبع لا.
وإذا كان الملالي يعتقدون أن الاعتداء على ناقلات نفط سعودية وإماراتية وغيرها في مياه ميناء الفجيرة، والاعتداء على محطات وقود في محافظات تابعة لمنطقة الرياض انتصارًا، فإن هذا العمل الإرهابي يعتبر بداية الانهيار.. بل الانتحار الإيراني, وخروج دولة الفرس من التاريخ.
أي متتبع لتطورات المشهد في الشرق الأوسط عامة وفي خليجنا العربي خاصة يدرك أنه لا توجد نار بدون دخان، فأهل الخليج العربي سئموا من تدخلات إيران (الفجة) في العراق وبلاد الشام ولبنان واليمن والبحرين والكويت والحبل على الجرار، والعالم وبالطبع ماما أمريكا.
طفح بهم الكيل وهم ينظرون إلى مشهد تهديدات إيران لدول الجوار وتمدد أذرعها في دول عربية أربع وتهديداته المتواترة بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 20 في المائة من صادرات النفط إلى دول العالم شرقًا وغربًا.
إن من أهم عناصر (القوة) دور الدولة في المنظومة الدولية ومكانتها الاقتصادية وبناء عنصرها البشري المؤهل والمدرب وموقفها الإستراتيجي، ومواردها الطبيعية، ومنظومتها العسكرية ومدى تقدمها في صناعة آلتها العسكرية لحماية حدودها وسيادتها وشعبها خاصة إذا كانت صاحبة مساحة كبيرة.
وإيران وإن كانت تشرف على مضيق هرمز الإستراتيجي وتتقاسم ذلك معها دولة الإمارات وصاحبة إنتاج واحتياطي نفطي كبيرين، إلا أن كل ما قيل وملأ الغمام حول قوتها العسكرية خاصة الصاروخية منها ليست بذلك القدر الذي (ضخمه) قادة ذلك البلد وأمامنا مثل حي جميع الصواريخ الإيرانية التي شقت طريقها إلى بلادنا دمرت، وهذه الصواريخ بالأصل صناعات روسية وكورية شمالية قديمة بعضها على غرار سكود، عملت إيران على تطويرها ولكل تلك الصواريخ (عدو) متربص به مثل (الباتريوت) يصطادها كما يصطاد الصقر فريسته وهذا هو حال صواريخ إيران الإرهابية.
المهم إذا كانت بلاد الفرس قد وضعت خططها لتمويل ورعاية جماعات مثل الحوثيين وحزب الله وبعض الميليشيات في العراق وسيطرت على النظام الدكتاتوري الشمولي في بلاد الشام، فإن زمن غياب النظام السياسي الإيراني قد بدأ العد التنازلي له.
لا أقول هذا بأن الحرب على الأبواب لإزالته.. لكن الأقرب أنه سيتآكل من داخله كلما مر الزمن واستمرت العقوبات الاقتصادية تطوق عنقه.. فالاقتصاد اليوم هو كل المعادلة وليس نصفها.. فإيران لن ولم يكن بمقدورها على الإطلاق أن تلعب دور الداعم والممول للجماعات المرتبطة بها في الدول الأربع (اليمن، العراق، الشام، لبنان) اقتصاديًّا وعسكريًّا.
وعلى نفس المنوال سينخر المرض الاقتصادي في جسم النظام الداخلي وتلحق الكارثة الشعب الإيراني المغلوب على أمره ليشتد عليه الجوع والفقر في ظل نظام استبدادي إرهابي لا يعرف إلا الغدر. وستكون نهايته الانتحار السياسي، إذا تحولت حرب الكلمات والتصريحات النارية إلى حرب حقيقية!! رغم محاولة مبادرة عراقية إنقاذ النظام لتجنب الكارثة.
ولن ينفع الحرس الثوري وأسلحة إيران وأذرعها عندما تدق طبول الحرب.. التي لا أحد يرغب سماعها.. لكن إذا أصرت إيران عليها سيكون التصدي لها بالقوة التي تحد القوة.
وعندها ستذهب أحلام الملالي في مهب الريح..
وهذه عبر ودروس التاريخ..
وسيقول كان ياما كان في قديم الزمان دولة كانت تسمى إيران.
إذا أصبحت المواجهة بين أمريكا وإيران حقيقية وليست (مناورة).
نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.
والله ولي التوفيق