شريفة الشملان
ها نحن على أبواب نهاية شهرنا الكريم.. وعادة أجمل ما لدينا يبقى للوداع عند الباب، فكيف ونحن نودع أغلى الشهور..
رمضان شهر جميل، ليله ذو نور خاص بأصوات التراويح والقيام.. تبدو الوجوه سمحة لطيفة، مسها رمضان فرسم نوره عليها.. وكذلك رائحة البخور والقهوة وهي تفوح بالهيل والزعفران قبيل الأذان.
كل شيء يضخ روحانية في نفوسنا حتى نحسها تشف بجمال رمضان.
رمضان شهر مبارك، مبارك بالحب والعطف والتكاتف ووصل ذي القربى.. وهذه حقيقة جميلة. شهر في السنة فرصة لتنظيف النفوس، ونشر حب الخير.
هناك حقيقة أخرى مؤلمة، هي - للأسف - استغلاله. من حق التجار البحث عن مكاسب، والتفنن في طريقة الجذب للمكسب؛ إذ يأتي الناس للشراء، خاصة في المواسم. وكذلك المطاعم والمقاهي والفنادق.. نعم الكسب حلال، لكن أحيانًا يسرق من روحانية هذا الشهر.
من حقهم التفنن في العرض.. فما دام الطلب موجودًا فالعرض لا بد أن يناسبه. كما أن التفنن في البهرجة ومن خلالها يمكن أن يكون للأسعار أجنحة تطير.. فالأسعار طيرانًا، وعلى الناس ملاحقتها..
نعم، كل العالم يعمل.. كذلك الأسواق في البلدان المسيحية تتلون وتختلف العروض في عيد ميلاد سيدنا المسيح من ثم رأس السنة، وأيضًا في عيد الفصح أو عيد القيامة، وأيضًا نهاية الصوم المسيحي لمدة 40 يومًا، لكنه صيام عن كل أكل من كائن حي؛ إذ يعتقدون أن سيدنا المسيح قام من قبره، ومن ثم رُفع للسماء. وفي هذا العيد تختلف احتفالات الشعوب المسيحية، وأشهرها هو تقديم البيض الملون بألوان مختلفة.
عند المصريين يشترك المسلمون والمسيحيون فيه، ويسمى (شم النسيم)، ويشتهرون بأكل السمك المقدد (الفسيخ). وأظن تلك عادة فرعونية قديمة.
آسفة؛ شطح القلم بي عن موضوعي الأصلي، وهو التجارة في رمضان. هي تجارتان:
بين الرب وعبده، وهي قمة العطاء، «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فهو لي وأنا أجزي به» حديث قدسي. وإقامة الفروض الدينية من الزكاة والتصدق والرحمة والعطف.
في رمضان عادة تنشط، هي الجمعيات الخيرية؛ فتحصل على مبالغ جميلة، تساعدها في أعمالها الخيرية.
في المقابل هناك التجارة الحرة المفتوحة، وهي تجارة ذكرت بعضًا منها، ولكن تبقى العمرة في رمضان لها وَقْع خاص في قلوب المسلمين، وبعضهم يتخذها وكأنها فريضة في رمضان، ولا بد أن يؤديها، خاصة أن هناك أحاديث، يتم تداولها بهذا الخصوص؛ وهذا الذي جعل الإسكان من فنادق درجة أولى تصعد بطريقة مذهلة، وتلحقها ما توسط وما قلَّ مستواه.. فتصعد الأسعار، وكأنهم يقدمون ما كان رهبان القرون الوسطى يعملونه (صكوك الغفران) لدخول الجنة، ولكن الجنة لا يدخلها المسلم بالمبالغ التي يدفعها للفنادق، لكن يدخلها من أتى الله بقلب سليم.
ولا شك أن القلب السليم من الحقد والكره ومن كل ما يضر المسلمين والإسلام والإنسانية كلها.. من لا يحاربنا لا نحاربه.
والقلب السليم هو أن يكون مفتوحًا للخير والعلم والكسب الحلال والمشاركة في نشر ذلك.. عندما تكلف عمرة في رمضان مئة ألف فمن الممكن أن مئة ألف مع مئة ألف أخرى تساعد في سكن أسرة تغنيها عن الركض خلف من يساعدهم كل شهر لدفع الإيجار. وكذا لطلب العلم أو مشروع يساعد في بناء أسرة، وينمي الإنتاج الوطني، وينشر جزءًا من التنمية العامة، وجزءًا مع آخر يكبر.. وهكذا تكون تجارة قوية ومتجددة ومتطورة، وتكبر، وأجرها لمن سار وساعد عليها. إنها تجارة مع الله -عز وجل- وما أفضلها من تجارة.
وعاد على الجميع بصحة وعافية، وتنمية مع أصوات التراويح والقيام.