«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
تمر اليوم الذكرى الثانية لمبايعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد، والمملكة تعيش نهضة اقتصادية إيجايبة عديدة ومتنوعة، شفرتها الرئيسية في مفتاح «رؤية 2030» وأداتها الأساسية في «الإصلاح».
كثيرا ما كنا نتكلم عن الإصلاح المالي أو الاقتصادي أو الإصلاح الإجرائي أو غيرها من المسميات التي ابتكرها الواقع الإعلامي.. ولكن ما تمر به المملكة بات يتجاوز كل هذه المسميات إلى الإصلاح الجذري الشامل الذي احتوى بداخله إصلاحا اقتصاديا وماليا وإداريا وإجرائيا وقانونيا ونظاميا.. حتى قوالب ونماذج العمل الداخلية لحقها هذا الإصلاح.. فلا يوجد نموذج عمل أو إجراء داخل وزارة ظل بلا تغيير خلال السنوات الأخيرة، إنها الرغبة في التغيير والإصلاح الكلي.
إصلاح من أجل تحسين جودة الحياة ومن أجل الترقي في المعيشة ومن أجل الجميع.. وهذه الثقافة الجديدة التي رسختها رؤية 2030.. الإصلاح لنا جميعا.. فرغم إلغاء الدعم في كثير من الجوانب.. الا إننا فوجئنا جميعا بحساب المواطن الذي يصب دعما مباشرا للمواطن..ولا نرغب في التفصيل بأن هذه الخطوة منعت هدرا كبيرا بحيث إن الدعم كان يصب للمواطن وغير المواطن.
الاقتصاد السعودي كان لفترة طويلة من الزمان ومنذ السبعينيات تقريبا هو اقتصاد نفطي ناجح بدرجة التميز.. وسرت جهود كبيرة للتنويع من حينها وحتى 2014 تقريبا ولكن هذه الجهود لم تحرز التنويع المرغوب وبالشكل المبتغى.. وهنا جاء فارس الإصلاح ليقول كلمته.. بأن التنويع ليس كلمة وليس سياسة ولكنه ثقافة وسلوك شمولي.. التنويع ليس بالخروج عن قطاع النفط إلى قطاع بتروكيماويات فقط.. نعم نحتاج أن ننجح في البتروكيماويات ولكننا قادرون على النجاح في قطاعات أخرى عديدة ومتنوعة وتمتلك المملكة فيها مزايا تنافسية.. فالتنويع ليس للصناعة فقط، وهذه نظرة قاصرة لا ينبغي أن تسود..فالمملكة تمتلك قدرات تنافسية للنجاح وبسهولة في السياحة وقدرات أخرى للنجاح في الخدمات وقدرات أخرى للنجاح لمركز لوجستى إقليمي..وأخرى وأخرى.
فهل نسير للتنويع الصناعي فقط؟.. وهل نترك الصناعة التحويلية ونركز على السياحة فقط؟ أسئلة كثيرة حستمها رؤية 2030 ..بأننا سنسير في كل الاتجاهات وليس في سياسة واحدة. رؤية 2030 لأول مرة تصنع إصلاحا شموليا وكليا ويضم كل القطاعات ويعطي الفرصة لكل الأنشطة أن تعطي ما لديها. إنها رؤية 2030 بكليتها وتفاصيلها وسياساتها ومحاورها وبرامجها.. ومع كل ذلك يحرص صانع السياسة على المشكلات الحيوية والعاجلة في إيجاد حلول لها.
السياسة التوسعية وثقافة جديدة بالموازنة
أحد أبرز جوانب دلالات نجاح الإصلاح الاقتصادي الذي انطلق مع تدشين رؤية 2030 هو تبني وإطلاق سياسة توسعية في طيات الميزانية الحكومية الحالية، فالسياسات التوسعية لا يمكن إطلاقها بدون تدبير مصادر إنفاق حكومي تعتمد على إيرادات حكومية للدولة من مصادر غير نفطية، وهو ما تمكنت منه الحكومة خلال هذا العام، حيث دبرت الإيرادات ( من مصادر لا 783 مليار ريال) يخشى من زوالها أو نضوبها بل تم تدبير هذا الإنفاق الكبير (978 مليار ريال) في ظل التمسك بعجز موازنة (195 مليار ريال) غير هام وغير مؤثر بنسبة لم تتجاوز 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في 2018.
نجاح مجهودات الخصخصة في قطاعات حيوية
الخصخصة ليست سياسة جديدة على المنظومة الاقتصادية السعودية، ولكنها فكر سار لفترة ليست قصيرة على استحياء، والآن بدأ يتسع ليأخذ واقعه الحقيقي بطرح 10 قطاعات حيوية وهامة للخصخصة لكي ترفع من على كاهل الدولة.
تمثلت أهم هذه القطاعات في:
1. وزارة ومؤسسات البيئة والمياه والزراعة.
2. وزارة ومؤسسات الطاقة والصناعة والثروة المعدنية.
3. وزارة ومؤسسات التعليم والجامعات الحكومية.
4. وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات البلديات.
5. وزارة الحج والعمرة.
6. وزارة ومؤسسات النقل والموانئ والسكك الحديدية والخطوط الجوية.
7. وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
8. وزارة الصحة.
9. وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والبريد ويسر.
10. وزارة الإسكان.
تعتقد وحدة أبحاث الجزيرة أن هذه القطاعات تمثل أكثر من نصف قيمة الموازنة الحكومية للسنوات الماضية_وعليه، فإن خصخصة تلك القطاعات سيرفع عن كاهل الدولة نفقات سنوية هائلة كانت تتسبب في عجز الموازنة. وبلا شك أن طرح هذه القطاعات للخصخصة معناه أن الدولة بصدد وضع سقف زمني لعجز الموازنة الحكومية وأننا ننتظر قريبا موازنة بلا عجز تماما. ونؤكد هنا أنه ليس المرادف للخصخصة هو البيع لهذه المرافق، ولكن للخصخصة أشكال وأنواع عديدة ومتنوعة ما بين الإيجار وحق الانتفاع والتشغيل والتملك ثم التحويل، هذه الأشكال تهدف إلى عدم تحمل الدولة لأعباء تشغيل مرافق بخسارة أو هدر، فالقطاع الخاص أحرص على إدارة هذه المرافق حسب قواعد وعقود صارمة وملزمة، تحافظ على حيوية هذه القطاعات وخدماتها للمواطن والمقيم.
بنود إنفاق مستحدثة للمواطن
أحد أهم بنود الإنفاق المستحدثة في موازنة المملكة هي بنود الترفيه والتي تشير التصريحات إلى أن المملكة تستهدف إنفاق نحو 240 مليار ريال على عناصر جديدة غير معهودة في الموازنات السابقة على الترفيه وإسعاد المواطن فضلا عن إنفاق ما يوازي 32 مليار ريال على حساب المواطن الذي يصب مباشرة في تقديم قيم نقدية تحسب على معايير معينة لصالح المواطن السعودي لتعويض أجزاء من المفقود نتيجة إزالة مصادر دعم اعتاد عليها.
التوسع في الإنفاق الاستثماري للحكومة
رغم أن الحكومة تتبنى تقليص الهدر في الإنفاق الحكومي عموما ورغم أنها بدأت مبادرات لإزالة أوجه الدعم غير المقنن الذي كان يتسبب في إهدار قيم كبيرة من موارد الدولة النادرة على سلع يتم استهلاكها بشكل مهدر، وهو ما تجلى جوهريا في تقليص معدلات نمو النفقات التشغيلية التي ارتفعت بنسبة 11% فقط خلال العامين (2016-2018)، حيث ارتفعت فقط من 696 مليار ريال في 2016 (كنفقات تشغيلية فعلية) إلى 773 مليار ريال في 2018 (كنفقات تشغيلية متوقعة). يعني لم ترتفع سوى بنسبة 11%، بما يؤكد تقليصا كبيرا في إهدار هذه القيمة حيث إنها كانت تزيد سنويا بمعدلات تفوق هذه النسبة.
على الجانب الآخر، فإن الدولة تركت العنان للتوسع والنمو وإحداث ارتفاع كبير في الإنفاق الاستثماري الرأسمالي، حيث ارتفع من 134 مليار ريال في 2016 (فعلي) إلى 206 مليار ريال في 2018 (تقديري)، أي ارتفع بنسبة 54%.
وهذا يعطي دلالة على أن الدولة بدأت تسير في طريق إحداث التوسع ولكن من خلال الإنفاق الاستثماري وليس الإنفاق التشغيلي، بما يعطي دلالات إيجابية على حسن إدارة الموازنة الحكومية بعد فترات طويلة كان الإنفاق الأعلى بالمملكة هو إنفاق تشغيلي مهدر لصالح عمليات وصيانة وتشغيل مستمرة، بلا عائد حقيقي وبلا سقف زمني لنهايتها.
نجاح جهود رؤية 2030 في التنمية السياحية
رغم الارتفاع الكبير للإيرادات السياحية بالمملكة، ورغم ضخامة عدد الزائرين للمملكة، ورغم تعدد الدوافع السياحية، إلا إن التنمية السياحية سارت على منوال مختلف تماما بالمملكة طيلة السنوات الماضية، فلعل الزخم النفطي والإيرادات النفطية العالية، تعد أحد الأسباب الرئيسية وراء ضعف الاهتمام بالسياحة كسياحة بالمملكة، خارج النطاق التقليدي للسياحة.
حتى الإحصاءات والأرقام السياحية الهائلة لم تنل الاهتمام الكافي بها على مستوى مخططي التنمية، في ظل زخم أكبر كان للنفط والغاز والصناعات التحويلية، رغم أننا نعتقد أن صناعة السياحة تبدو صناعة أعلى سهولة في رواجها وتحقيقها لقيمة مضافة غير عادية، لدولة مثل المملكة تمتلك من المقومات السياحية «بتعددها» ما يؤهل صناعة السياحة لكي تكون الصناعة الأولى بالمملكة في طريق التنمية المستدامة، في عصر ما وراء النفط.
السعودية تسهم
بنسبة 77.1% في إيرادات الشرق الأوسط
الأمر المستغرب أن كثيرين لم يدركوا أن المملكة منذ 2005 وهي تسهم بنسبة 65.4% من إجمالي الإيرادات السياحية بالشرق الأوسط، فقد بلغت إيرادات السياحة بالمملكة حوالي 17.4 مليار دولار من مجمل 26.6 مليار دولار على مستوى الشرق الاوسط. هذه الحصة رغم أنها بالقيم المطلقة لا تزال مستقرة وتتزايد إلا إن هذه المساهمة كنسبة مئوية تقلصت عبر الفترة (2005-2015)، لأن حجم الطلب على السياحة بالشرق الأوسط ارتفع كثيرا من 36 مليون سائح وافد في 2005 إلى حوالي 53.3 مليون سائح وافد في 2015، رغم أن الطلب على السياحة بالشرق الأوسط ارتفع بنسبة 48.0%، إلا إن حصة المملكة من هذه السياحة الوافدة ارتفعت من 8 ملايين سائح في 2005 إلى حوالي 18 مليون سائح في 2015، أي ارتفع بنسبة 125%.
فرغم ازدياد حصة المملكة من السياحة الوافدة بهذه النسبة الكبيرة، إلا إن حصتها من مجمل الإيرادات السياحية على مستوى الشرق الأوسط لم تزدد كما هو متوقع طيلة الفترة (2005-2015).
الطفرة السياحية (2016-2017)
إن الطفرة الحقيقية في النشاط السياحي بالمملكة حدثت خلال (2016-2017)، ويبدو أن التصورات للتنشيط السياحي بدأت تأخذ منحنى جديدا أو لنقل منحنى صحيحا في ظل بدء ارتفاع الإيرادات السياحية.. فارتفاع الطلب السياحي ليس هو المستهدف، ولكن المستهدف هو زيادة الإيرادات السياحية للمملكة.. الإيراد السياحي هو عبارة حاصل ضرب عدد السياح في إنفاق السائح.
لذلك، فإن المستهدف هو رفع نوعية السائح صاحب الإنفاق العالي الذي يحقق أهداف التنمية المستدامة، بحيث لا يستهلك البنية التحتية أو المقومات السياحية.
ولأول مرة تحقق المملكة إيرادات سياحية بقيمة 44.5 مليار دولار في 2016، تلتها إيرادات أعلى بقيمة 52.5 مليار دولار في عام 2017 .. وفي كلا هذين العامين، ارتفعت مساهمة المملكة في إيرادات الشرق الأوسط السياحية من متوسط لم يكن يتجاوز الثلث (34.1%) حتى 2015، قفزت معه مساهمة السياحة إلى 77.1% في 2016، وتعتقد وحدة أبحاث الجزيرة أن المملكة ستحقق نسبة مثيلة وربما أعلى في عام 2017.
مؤشرات غير مسبوقة للسياحة
يوجد هناك ثلاثة مؤشرات استثنائية للسياحة بالمملكة: أولا: وصل عدد السياح الوافدين للمملكة في عام 2016 إلى حوالي 19 مليون سائح، وبلغ عدد السياح المغادرين للخارج من المملكة إلى حوالي 21 مليون سائح، أي لدينا سياح مغادرون يوازي ويفوق عدد السياح الوافدين، كان يمكن أن نحافظ عليه، وربما نحقق إيرادات سياحية مضاعفة منه، أي لدينا طلب هائل.
ثانيا: المملكة تمتلك 6580 منشأة سياحية ما بين فندق وشقق فندقية، وتمتلك فيها حوالي 421.9 ألف غرفة سياحية، وهو رقم كبير، يظهر أن البيئة المحلية مهيأة سياحيا، بدليل أن معدلات الأشغال السياحي لا تزيد كمتوسط للعام عن 66%. أي لدينا معروض هائل.
ثالثا: تعتبر السياحة صناعة كثيفة العمالة، ويمكن أن تكون حلا ذهبيا لمشكلة البطالة، ويمكن تنشيطها بالمملكة بسهولة ويسر، فلا يتصور أحد أن المملكة ترغب في زيادة عدد السائحين لها إلى 30 مليون وستواجه معوقات. ولكن السؤال الأهم : ما هو الطريق المستدام لزيادة هذا العدد دونما التأثير على أوجه التنمية المستدامة الأخرى بالمملكة؟
تكامل المقومات السياحية
كل الدول تمتلك نوعا (ربما نوعا وحيدا) من المقومات السياحية إلا المملكة، فإنها تمتلك أنواعا متعددة من هذه المقومات، فهناك طلب كبير على الحج والعمرة، بحكم انفراد المملكة بوجود الحرمين الشريفين. فضلا عن طلب غير عادي على سياحة الأعمال، بحكم أن المملكة العربية السعودية تعتبر الآن من أكبر الاقتصاديات بمنطقة الشرق الأوسط، ويزداد بمتوالية هندسية حجم الإقبال الاستثماري على السوق المحلية. أيضا هناك طلب واسع وكبير للغاية على زيارة الأصدقاء، بحكم إقامة عدد كبير من الوافدين بالمملكة.
استثمارات سياحية
تستهدف السعودية في برنامج التحوّل الوطني، زيادة الاستثمارات السياحية الجديدة من 145 مليار ريال (38.7 مليار دولار)، إلى 171.5 مليار ريال (45.7 مليار دولار) بحلول 2020.. وهذا يعني استهداف طفرة سياحية قادمة لصناعة واعدة، هي صناعة سياحية لما وراء النفط.
نجاح غير مسبوق في التنويع الصناعي
لأول مرة لن نتحدث عن التنويع الاقتصادي ولكن هذه المرة سنكون أكثر تركيزا ووضوحا 00 نعم تشير المؤشرات إلى تنويع صناعي رائد، وفي مجالات بعيدة عن مجالات البتروكيماويات المدعومة بالتميز السعودي في النفط والغاز.
أحد إنجازات الحكومة السعودية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة التطور الكبير الذي لحق بقطاع الصناعات التحويلية خلال السنوات الأخيرة، حيث برزت على السطح العديد من الأنشطة ذات القيمة الصناعية العالية خارج قطاع النفط، وبالتالي تحقيق هدف التنويع الاقتصادي.
وبالرجوع للوراء قليلا نلحظ ارتفاع مجمل مساهمة الصناعات التحويلية في الاقتصاد السعودي عبر الثلاثين عاما الأخيرة، حيث ارتفع من 74.2 مليار ريال في 1986 إلى 309.98 مليار ريال في 2016. بحيث ارتفعت مساهمتها في الناتج بالأسعار الثابتة من 8.1% في 1986 إلى 12.0% في عام 2016.
وقد لحقت تحسينات جذرية بهيكل الصناعة التحويلية بالمملكة ، حيث ارتفعت مساهمة الصناعات التحويلية غير النفطية من 28.4 مليار ريال في 1986 إلى 213.4 مليار ريال في 2016، وبالتالي، فإن هذه الصناعات الأخرى في عام 2016 أصبحت هي المكون الرئيسي في القطاع الصناعي (68.8%) بعد أن كانت مساهمتها في الصناعة التحويلية لا تتجاوز (38.3%) في عام 1986.
وعلى مستوى الأنشطة الصناعية، فقد كانت صناعات المواد الكيميائية تسيطر على أعلى رؤوس أموال من حيث القيمة بحوالي 566 مليار ريال لعام 2017. يليها صناعات المعادن اللافلزية ثم صناعات فحم الكوك والمنتجات النفطية المكررة. وهي صناعات من الطبيعي أن تحتل هذه المراتب الهامة بالمملكة نظرا لطبيعتها النفطية، حيث إنها تمتلك مقومات نسبية وتنافسية لإقامة هذه الصناعات.
ولكن التطور الجديد الذي يمثل أحد أهم تطلعات القطاع الصناعي بالمملكة، هو تلك التطورات التي لحقت بالصناعات الغذائية بالمملكة.
بداية فقد حققت الصناعات الغذائية بالمملكة تطورات إيجابية في الأسواق الأجنبية وخاصة دول الجوار، حيث سيطرت الصادرات السعودية من منتجات كثير منها على دول الجوار، فرغم أن المنتجات الغذائية جاءت في المرتبة الخامسة من حيث أعلى رؤوس أموال للصناعات التحويلية بقيمة 75 مليار ريال، ورغم أن مشاركتها لم تتجاوز نسبة 6% حتى الآن، إلا إن معدلات النمو التي أحرزتها خلال الست سنوات الأخيرة تعتبر لافتة للنظر ومشجعة، حيث نمت بنسبة 70.6%، من حوالي 35.5 مليار ريال في 2010 إلى 60.6 مليار ريال في 2017.
أما الأمر الأكثر أهمية، فهو تطور الصناعات الغذائية في مؤشر التراخيص الصناعية، وهو المؤشر الذي يدلل على شكل الصناعة في المستقبل، فقد جاءت الصناعات الغذائية في المرتبة الأولى من حيث أعلى تراخيص في عام 2017، بقيمة بلغت 5.3 مليار ريال، بشكل بدأت معه تنافس الصناعات النفطية التحويلية والتكرير، وهو تطور مثير لم يكن متوقعا.
وتعتقد وحدة أبحاث الجزيرة أن هذا التطور ليس فقط لتلبية احتياجات السوق المحلي، بقدر ما هو تحرك للمنافسة في الأسواق الأجنبية، وقد برزت خلال الآونة الأخيرة تطلعات العديد من الشركات الغذائية السعودية للاستحواذ على حصص سوقية أعلى في أسواق دول الجوار، وخاصة دول الخليج والعربية الشرق الأوسطية.
وإذا افترضنا أن كل ترخيص يتحول إلى مصنع فعلي خلال فترة تقدر بثلاث سنوات، فإن وحدة الجزيرة تتوقع أن تتصدر الصناعات الغذائية القطاع التحويلي بالمملكة في عام 2022.
نجاح مجهودات
حل قضية الإسكان
رغم استمرار النمو السكاني هناك مؤشرات إيجابية للإسكان فقد وصل معدل النمو السنوي للسكان حسب نتائج التعداد قبل الأخير وصل خلال الفترة (2005-2010) إلى 3.6% ، في حين أن هذا المعدل بدأ يسجل نموا أقل بنسبة 2.9% تقريبا خلال الفترة (2010-2018)، وهو يعطي مؤشرات لتحسن معدلات الزيادة السكانية.
رغم أن النسبة الكبرى من السكان خلال الفترة (2005-2010) كانوا يقعون في الفئة العمرية (15-39) بنسبة 43.4%، وكانوا يعتبرون نواة الطلب على المساكن، لأنهم يرغبون في الزواج. إلا إن هذه النسبة تزايدت الى 44.6% في منتصف 2018، بشكل يتوقع معه أن يفاقم من أزمة الإسكان بشكل واضح. بل يتوقع أن يكون التأثير السلبي لهذه الزيادة أعلى من تأثير التراجع النسبي في معدل النمو للسكان ككل خلال الفترة الأخيرة. رغم كل ذلك فإن المؤشرات تبدو إيجابية في مؤشرات الإسكان ... كما يتضح من المؤشرات التالية:
أولا: تحسن مؤشرات توزيع المساكن حسب الملكية
حسب المسح الديموجرافي لعام 2007م كانت نسبة تملك الأسر السعودية للمسكن تصل إلى حوالي 62.1%. إلا إن هذه النسبة تراجعت في عام 2018 إلى حوالي 59.9%. وهذا التراجع ليس نتيجة تراجع في المساكن المملوكة للسعوديين، ولكن لأن الزيادة في عدد السكان فاقت الزيادة في المساكن المملوكة للسعوديين.
ثانيا: تحسن مؤشرات توزيع المساكن حسب مادة البناء
حسب المسح الديموجرافي لعام 2007م كان 78.0% من مساكن السعوديين بالمملكة مشيدة من المسلح، في مقابل 21.0% مشيدة من الطوب أو البلك. أما في منتصف 2018 ، فقد تحسنت الصورة تماما لترتفع نسبة المساكن المشيدة من المسلح إلى 88% من الإجمالي، مقابل تراجع نسبة المساكن المشيدة من البلك أو الطوب إلى 11.9%. وهذا دليل على تحسن المستوى المعيشي للأسر التي تشغل هذه المساكن.
وترى وحدة أبحاث الجزيرة أن المجهودات الكبيرة التي بذلتها الدولة ممثلة في وزارة الإسكان قد أحرزت العديد من أهدافها، سواء على مستوى تحقيق التوازن بين المساكن المملوكة وبين معدل النمو السكاني، أو من خلال التحسن الواضح في عدد الشقق التي تم إنشاؤها أو من خلال تحسن نوعية مواد البناء من طوب وبلك إلى مسلح.
ريادة قطاع النقل والمواصلات في رؤية 2030
أحد أبرز القطاعات التي نجحت وحققت ريادة إقليمية هو قطاع النقل والمواصلات.. الذي بدا أنه يسير في نطاق مسار عالمي فريد في مخططات رؤية 2030.
حيث تشير خطة وزارة النقل إلى أنه نظرا لأهمية النقل أضحت خطة النقل الوطنية للمملكة متناسقة ومتناغمة مع استراتيجية التنمية التي تشرف عليها وزارة الاقتصاد والتخطيط، حيث تهدف إلى تطوير قطاع النقل وتسخير كل طاقاته الاستيعابية لتحقيق متطلباتها. فمساهمة قطاع النقل تتركز في إزالة العوائق المادية والقانونية والإدارية لتحفيز النمو الاقتصادي في القطاعات ذات العلاقة. ومن منطلق ذلك، تتجه الجهود الرسمية إلى ما يلي:
تطوير قطاع النقل بما يحقق أهداف رؤية المملكة 2030 ضمن خطة استراتيجية من المجلس الأعلى للاقتصاد والتنمية تشرف الوزارة على تنفيذها، تعزيز مكانة المملكة كمنصة لوجستية مميزة بين القارات الثلاث، إعداد دراسة لسياسات وتشريعات النقل العام في المملكة لتطوير الاستراتيجيات الشاملة. الإشراف على تنفيذ الخطط المستقبلية لقطاع الخطوط الحديدية في مختلف انحاء المملكة، والعمل على زيادة الإيرادات من أراضي المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، والإشراف على برامج الخصخصة في الهيئة العامة للطيران المدني بمشاركة القطاع الخاص في عملية تمويل وتشغيل وصيانة مشاريع الطيران المدني في المطارات ومرافقها.
أنواع النقل في المملكة
تمتلك المملكة واحدة من كبريات شبكات الطرق بالشرق الأوسط وأكثرها تنوعا ما بين طرق برية وجوية وبحرية حيث تمتلك المملكة شبكة هائلة الطول والكفاءة من الطرق البرية يزيد أطوالها عن 64 ألف كم طولي ما بين طرق سريعة ومزدوجة ومفردة بين المدن. كما تمتلك المملكة شبكة نقل بحريا تضم عدد (5) موانئ تجارية ونحو (5) موانئ نفطية، ونحو ميناءين لنقل الركاب وحوالي سبعة موانئ لصيد الأسماك، هذا بجانب شبكة مطارات جوية عديدة ومتنوعة يصل عددها إلى 27 مطارا. على الجانب الآخر تمتلك المملكة خطوط سكك حديدية تربط ما بين ميناء الملك عبد العزيز بمدينة الدمام وما بين الميناء الجاف بمدينة الرياض ويمر بالأحساء وبقيق والظهران وحرض.
توسعات قطاع
الخطوط الحديدية
تقوم الخطط الآن على تنفيذ خطوط وتوسعات تتمثل فيما يلي: مشروع قطار الشمال (مشروع الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) الذي يبلغ طوله الإجمالي 3 آلاف كيلو متر، مشروع قطار الحرمين السريع للركاب الذي يبلغ طوله 450 كيلو متر ويربط كلا من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، ومشروع الجسر البري البالغ طوله 1150 كيلو متر ويربط غرب المملكة على ساحل البحر الأحمر بشرقها على ساحل الخليج العربي الذي يجري حالياً إعداد الدراسات التصميمية والفنية والمالية له. أي أن توسعات السكك الحديدية ستتضاعف تقريبا عشرمرات وضعها الحالي.
النقل بالخطوط الحديدية في ضوء ارتفاع أسعار الوقود
بدأت مؤسسة السكك الحديدية بالمملكة في عام 1951 إلا إنه نظرا لرخص أسعار الوقود لطالما كان الاهتمام بالنقل والمواصلات بالطرق البرية بالسيارات أو أحيانا بالباصات. ولم يكن السفر بالسكك الحديدية يحظى باهتمام كبير حتى سنوات قريبة إلا إنه في ضوء الارتفاع الذي يلحق بأسعار الوقود في ضوء إزالة الدعم الحكومي، فقد لحقت تغييرات كبيرة بتفضيلات الأفراد، حيث إن السفر البري بالسيارة أصبح مكلفا للغاية، بحيث إن رحلة الفرد الواحد أصبح مغال فيها. في المقابل أصبح الإقبال على فكرة السفر بالسكك الحديدية أكثر قبولا وخاصة في ظل الأمان الأعلى الذي يتميز به.
النقل الاقتصادي
والسكك الحديدية
اقتصاديا في كل دول العالم يعتبر النقل بالقطارات هو البديل الاقتصادي والأرخص لكل الأفراد سواء كوسيلة مواصلات أو لنقل البضائع. وبدأت كثير من دول العالم تنظر لهذا الأمر عن طريق زيادة التوسعات الأفقية والرأسية في النقل الحديدي. التوسع الأفقي من خلال زيادة عدد الرحلات وتكثيفها لتغطية الطلب المتزايد، إلا إن التوسع الأفقي ينجم عنه تكاليف إضافية غالبا تتجلى في زيادة الضغوط على البنية التحتية ومن ثم ارتفاع تكاليف الصيانة والإهلاك. في دول كأوربا وآسيا بدأت تظهر تجارب ناجحة للتوسع الرأسي بحيث يوجد القطار الذي يسحب وراءه حوالي عشرات وربما مئات العربات، ويقال إن القطار الموريتاني يسحب وراؤه 220 عربة لنقل البضائع. وتشير بعض التقارير إلى أن عدد عربات قطار نقل الفوسفات بالمملكة وصل إلى 160 عربة وهو نموذج قابل للتطبيق في الخطوط الأخرى ونقل الركاب على الأقل نسبيا. بالطبع أن التوسع الرأسي سيسمح بتقليص نفقات الرحلة للقطار ومن ثم السماح بتخفيض أسعار التذاكر للأفراد وبالتالي فإنها ثقافة ومنظومة جديدة تطرحها وحدة أبحاث الجزيرة لكي تكون البديل العملي والاقتصادي للنقل في المملكة. هذه المنظومة لو وصلت للتوسع التجاري المطلوب ستؤدي إلى انخفاض تكاليف انتقال الفرد ما بين شرق المملكة إلى جنوبها بنسب هائلة ناهيك عن مقارنتها بتكاليف ملء تانك السيارة لأربع مرات للذهاب في رحلة 1000 كيلو متر طولي. إن رؤية 2030 تحتاج منا تغيير الثقافة الاقتصادية أولا قبل بناء منظومات البنية التحتية المطلوبة لها.